
بينت الدراسات والأبحاث أن الجهاز المناعي للإنسان والنوم مرتبطان ببعضهما البعض ويتأثر كل منهما بالآخر بشكل ملحوظ، حيث إن النوم الصحي العالي الجودة والكافي يساهم بشكل كبير في تقوية الجهاز المناعي للإنسان بقسميه الفطري والمكتسب وفي المحافظة على الاتزان في عملهما، في حين أن قلة النوم أو عدم القدرة على الحصول على نوم عالي الجودة أو اضطرابات النوم المختلفة يمكن أن تتسبب في إضعاف الجهاز المناعي وفي جعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والعدوى وخاصة الفيروسية منها مثل نزلة البرد والإنفلونزا ويقلل كذلك من سرعة التعافي من الجروح والأمراض.
وكذلك الأمر بالنسبة لتأثير جهاز المناعة على النوم، ففي حالة حدوث خلل واضطرابات ونشاط مفرط في الجهاز المناعي فإن ذلك يؤثر على نومنا ويتسبب في حدوث تغييرات في طبيعتها ومدتها بشكل يسمح للجسم باستغلال الطاقة بشكل أفضل من أجل محاربة العدوى.
نبذة عن آلية عمل جهاز المناعة وبعض مكوناته المهمة
في البداية وقبل التطرق إلى تفاصيل العلاقة بين النوم الصحي وجهاز المناعة لدى الإنسان، سيكون من الأفضل لو حاولنا أن نتجول قليلاً في عالم هذا الجهاز المعجزة ونكتشف معاً ولو بشكل مختصر وبسيط بعض التفاصيل حول آلية عمله وكيفية استجابته للعدوى والعوامل الممرضة التي تهاجم الجسم.
جهاز المناعة هو عبارة عن شبكة معقدة من العمليات والتفاعلات بين مكونات عديدة ومتنوعة موجودة في جميع أنحاء الجسم هدفها توفير خطوط الدفاع المهمة ضد الأجسام الأجنبية والعوامل الممرضة ومحاربة العدوى من أجل إبقاء الإنسان في حالة سليمة يتمكن بها من أداء واجباته ووظائفه بالشكل الأفضل. ويتكون هذا الجهاز بشكل أساسي من قسمين رئيسيين:
المناعة الفطرية
هي المناعة الأساسية الموجودة في أجسامنا بشكل طبيعي وهي غير متخصصة لمهاجمة عامل ممرض محدد وإنما تشكل دفاعاً عاماً وأساسياً وأولياً ضد جميع العوامل الممرضة دون استثناء بمجرد مهاجمتها للجسم، وهي تشكل المناعة التي تتدخل سريعاً دون أن تأخذ وقتاً طويلاً لمحاولة القضاء على هذا العامل ومنعه من الانتشار والتكاثر كما يحلو له.
وهذه المناعة تجند بين صفوفها عدداً كبيراً من خلايا ومكونات الجسم المختلفة ومنها بعض أنواع كريات الدم البيضاء والمعروفة باسم الخلايا المحببة granulocytes (كالعدلات neutrophils أو الحمضات eosinophils أو الخلايا القاعدية basophils) وكذلك الخلايا الوحيدة monocytes التي تتحول إلى الخلايا البالعة الخاصة بالأنسجة tissue macrophages (مثل خلايا لانغرهانس Langerhans cells في الجلد والخلايا الدبقية الصغيرة microglia في الدماغ) وأيضاً الخلايا القاتلة الطبيعية natural killer (NK) cells والخلايا المتغصنة dendritic cells (DCs) التي مهمتها عرض بعض أجزاء العامل الممرض على خلايا النوع الثاني من المناعة وهي المناعة المكتسبة لتتمكن من إنشاء خلايا وأجسام مضادة خاصة بهذا العامل الممرض للقضاء عليه.
المناعة التكيفية أو المكتسبة
هي المناعة التي تتدخل عندما يتجاوز العامل الممرض المناعة الطبيعية الفطرية وهي أكثر خصوصيةً وتطوراً وتميزاً من المناعة الفطرية، حيث يشكلها الجسم بعد مرور مدة على التعرض للعامل الممرض أو الجسم الأجنبي وذلك بعد أن يتعرف عليه ويفككه ويكتشف طبيعته من خلال بعض أجزاء هذا العامل التي تحضرها له بعض خلايا المناعة الفطرية فيشكل وفقاً لتلك المعلومات مناعة خاصة بذلك العامل قادرة على القضاء عليه، وهي نفس المناعة التي يحتفظ الجسم بأسلحتها ونتائجها كذاكرة مناعية ليستخدمها فيما بعد عند التعرض مرة أخرى لنفس العامل الممرض بشكل أسرع.
ومن أهم جنود هذه المناعة الخلايا اللمفاوية البائية B lymphocytes والخلايا اللمفاوية التائية T lymphocytes.
خطوط الدفاع ومراحل استجابتها للعوامل المهاجمة
إن أول ما يتعرض له العامل الممرض عند مهاجمته للجسم هو طبقة الجلد التي تغطي السطح الخارجي والأغشية المخاطية التي تغطي معظم الأسطح الداخلية في جسم الإنسان والتي تشكل حاجزاً دفاعياً أولياً للجسم ضد هذه العوامل الممرضة مانعة دخولها للجسم ومحاولة القضاء عليها بواسطة بعض الجزيئات والمركبات الموجودة فيها.
ولكن إذا لم يتمكن هذا الخط الدفاعي الأول من صد العامل الممرض ومنْعِه من التعمق وتمَكنَ هذا العامل بشكل من الأشكال أن يدخل إلى الجسم فهنا تبدأ جنود وخلايا المناعة الفطرية في جسم الإنسان بالتدخل محاولةً بجميع الوسائل والأسلحة المتوفرة لديها من صد الهجوم. حيث تقوم بعض خلاياها بإفراز مواد كيميائية تُعرف بالوسائط الالتهابية كالكيموكينات chemokines والسيتوكينات cytokines والبروستاجلاندينات PGs التي تحاول من خلالها القضاء على العامل الممرض وكذلك طلب الدعم والمساعدة من خلايا أخرى في مناطق مختلفة من الجسم وجذبها إلى منطقة المعركة بعد أن تكون قد سهلت لها عملية المرور من خلال توفير الشروط المناسبة وفتح الممرات، وكذلك تقوم بعض خلاياها الأخرى بعمليات بلعمة وهضم للعوامل الممرضة وبقايا الخلايا الميتة. كل هذه العمليات تخلق في مكان الهجوم وسطاً التهابياً يمكن أن يبدو من الخارج على شكل احمرار وتورم وألم وحرارة وفقدان في الوظيفة.
وإذا ما تمكن العامل الممرض والعدو المهاجم من تجاوز هذه الخطوط كذلك فهنا تتدخل خلايا وجنود المناعة المكتسبة التكيفية، حيث إنه خلال تلك الفترة تكون بعض الخلايا من المناعة الفطرية قد أخذت أجزاء من هذا العدو لتعرضَهُ على خلايا المناعة المكتسبة التي تقوم بدورها بتشكيل جيوش خاصة (خلايا تائية تتخصص وتتمايز بناءً على المعلومات التي تحصل عليها عن العامل الممرض) وإنتاج أسلحة مطورة (أجسام مضادة تفرزها الخلايا البائية بعد تعرضها للمستضد الخاص بذلك العامل) لصد هذا العامل والقضاء عليه.
وإذا ما تمكن الجسم من القضاء على هذا العامل فإنه يحاول بعد ذلك التخلص من الخلايا البائية والتائية التي شكّلتها للقضاء على هذا العامل باستثناء البعض منها لتحتفظ بها كذاكرة مناعية تستخدمها فيما بعد لتتمكن من مهاجمة هذا العدو بشكل أسرع وأكثر قوة في المرات القادمة التي يحاول فيها التسلل إلى الجسم.
هذا باختصار وبشكل بسيط جداً آلية عمل هذا الجهاز، وهو جهاز معقد للغاية ومعجزة إلهية تحتاج لفهمها والإلمام بتفاصيلها إلى كتب ومراجع ضخمة.
ومن الأمور المهمة الأخرى التي يجب علينا معرفتها هو أن عمل هذا الجهاز يجب دائماً أن يكون متوازناً وضمن الحدود الطبيعية حتى يتمكن الجسم من أن يستمر في العمل، أي أنه لا يجب أن يكون دائماً نشطاً وفي حالة تأهب ولا يجب أن يكون دائماً مثبطاً وخاملاً ففي كلتا الحالتين سيكون له تأثير سلبي كبير على صحة الإنسان.
إفراز وسائط التهابية كالسيتوكينات أثناء النوم ودورها في تقوية جهاز المناعة
وجد العلماء والباحثون أن جسم الإنسان يقوم بإفراز مكونات وعناصر مناعية متنوعة أثناء النوم وذلك وفقاً للساعة البيولوجية الطبيعية للجسم، ومن هذه العناصر بروتينات ووسائط التهابية تسمى بالسيتوكينات، وإن لم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة السبب الدقيق وراء إفرازها أثناء النوم فإنهم يعتقدون أنها ربما تكون لها وظيفة مهمة في تعزيز جودة النوم إلى جانب وظيفتها الأساسية في زيادة قدرة الجسم على مقاومة العدوى والأمراض ومحاربة العوامل الممرضة، وما يُثير الاستغراب أكثر أن هذه البروتينات المناعية والتي تحفز الالتهاب يتم إفرازها حتى وإن لم يكن الجسم مريضاً أو مصاباً بعدوى، مما قد يعني أن هذا ربما يشير إلى وجود دور هام للنوم في تقوية المناعة التكيفية وفي تعزيز الذاكرة المناعية وزيادة قدرة الجسم على التعرف على المستضدات والرد عليها كما يعتقد العلماء.
وبمراقبتهم لمستويات تلك البروتينات أثناء النوم وبعد الاستيقاظ وجد الباحثون إنها مُعيّرة ومنظمة بشكل دقيق بحيث تعود إلى مستوياتها الطبيعية عند اقتراب انتهاء موعد النوم للسماح للجسم بالاستيقاظ والعودة إلى حالته الطبيعية أثناء النهار ليتمكن من القيام بوظائفه ومهامه.
وهنا يمكن استنتاج التأثير الكبير الذي من الممكن أن يُحدِثه الحرمان من النوم وإحداث الخلل في طبيعة ساعة الجسم البيولوجية والتي يمكن أن تتسبب في عدم إفراز الجسم لهذه البروتينات بشكل طبيعي وبالتالي إضعاف التأثير الذي كانت تُحدثه على الجهاز المناعي وإضعاف الذاكرة المناعية وقدرة الجسم على مقاومة الأمراض ومحاربتها. حيث أظهرت الدراسات أن خطر الإصابة بالعدوى يكون أعلى لدى الأشخاص الذين لا يحصلون على القسط الكافي من النوم أثناء الليل (أي الذين يحصلون على ساعات نوم أقل من ست إلى سبع ساعات) وكذلك يزداد احتمالية إصابتهم بنزلات البرد والإنفلونزا. بالإضافة إلى ذلك فقد وجد العلماء بدراستهم لتأثير الحرمان من النوم على المرضى الذين يتلقون العلاج في وحدات العناية المركزة بأن قلة النوم تتسبب في إبطاء سرعة الشفاء وقدرة الجسم على المقاومة ومحاربة الأمراض.
أما على المدى البعيد، فكما قلنا سابقاً أن مستوى البروتينات الالتهابية التي يتم إفرازها أثناء النوم في الأشخاص الأصحاء تعود إلى حالتها الطبيعية قبل الاستيقاظ في حين لا يتم ذلك بشكل مناسب عند الأشخاص الذين لا يحصلون على القسط الكافي من النوم، ويستمر الالتهاب لديهم بمستوى منخفض ولكن مستمر. وهذا الالتهاب المنخفض المستمر عندما يتحول إلى حالة مزمنة يمكن أن يتسبب في حصول خسائر فادحة في جسم الإنسان ويساهم في زيادة مخاطر الإصابة ببعض الأمراض التي لها بنية التهابية كبعض أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وأمراض الأعصاب التنكسية.
كما أن الالتهاب المستمر مرتبط أيضاً بالاكتئاب وهذا قد يفسر ازدياد معدلات هذا الاضطراب بين الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في النوم.
والالتهاب أيضاً تم ربطه بالسرطان، وتشير بعض الأبحاث التي أجريت على الحيوانات أن مخاطر الإصابة بالسرطان تزداد بسبب قلة النوم.
والعلماء إلى الآن غير متأكدين تماماً من سبب حدوث هذه العمليات المعقدة خلال النوم ولكن يُعتقد إنها ربما تكون بسبب تباطؤ نشاط الجسم والوظائف الفيزيولوجية المختلفة أثناء النوم وبالتالي توفير المزيد والمزيد من الطاقة للجهاز المناعي لأداء مثل هذه الوظائف دون التأثير على أداء الإنسان لوظائفه خلال النهار وكذلك إفراز الجسم لهرمون الميلاتونين المحفز للنوم في الليل ربما يوفر الراحة اللازمة التي يحتاجها الجسم نتيجة إفراز السيتوكينات الالتهابية في تلك الفترة.
تأثير النوم على عمل الخلايا التائية
إن أحد الطرق الأخرى التي يؤثر بها النوم على صحة جهاز المناعة وقوتها هو تحسينها لعمل الخلايا التائية وذلك من خلال التأثير على إحدى الآليات المهمة في عملها.
حيث تقوم الخلايا التائية عند تعرفها على خلايا مصابة بعوامل ممرضة كالفيروسات أو خلايا سرطانية بتنشيط بروتينات التصاق تُعرف باسم الإنتغرينات التي تقوم بالالتصاق بسطح الخلايا المصابة فتوفر بذلك وسيلة التواصل والارتباط بين الخلية المناعية المدافعة والخلية المصابة لتقوم الأولى بالقضاء على الأخرى وتخلِّص الجسم من أضرارها.
وعند مقارنة الباحثون لعمل الخلايا التائية بين متطوعين أصحاء بعضهم ناموا ليلاً وبعضهم بقوا مستيقظين، وجدوا أن المشاركين الذين ناموا جيداً أظهرت خلاياهم التائية قدرة أكبر على تنشيط الإنتغرينات مقارنة بالأشخاص الذي بقوا مستيقظين طوال الليل. والسبب في ذلك هو أن مستويات هرمونات التوتر كالأدرينالين والنورأدرينالين وكذلك البروستاجلاندين من نوع E2 و D2 (وهي جزيئات مسببة للالتهاب pro-inflammatory molecules) تكون منخفضة أثناء النوم، والتي أظهرت الدراسات أنها تثَبِّط ارتباط هذه الإنتغرينات على سطح الخلايا المصابة وبالتالي تقلل من قدرة الخلايا التائية على الارتباط بالخلايا المصابة والقضاء عليها.
تأثير النوم على الخلايا القاتلة الطبيعية
وجد الباحثون أن عدم الحصول على النوم الكافي يمكن أن يؤثر على نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية NK، حيث في دراسة تم اجراؤها على أشخاص ناموا فقط لمدة أربع ساعات في الليلة الواحدة وجدوا انخفاضاً في نشاط هذه الخلايا بمتوسط 28% مقارنة مع نشاطها لدى المشاركين الذين قضوا ليلة كاملة من النوم.
وما يجدر الإشارة إليه أن الخلايا القاتلة الطبيعية بالإضافة إلى دورها الكبير في مقاومة العدوى والعوامل الممرضة لها دور هام في قتل الخلايا السرطانية أيضاً، وارتبط انخفاض أدائها بزيادة خطر الموت بالسرطان 1.6 مرة في دراسة استمرت لمدة 11 عاماً.
تأثير النوم على الخلايا الدبقية الصغيرة في الدماغ
وجد الباحثون أن الخلايا الدبقية الصغيرة والتي تعد إحدى خلايا الجهاز المناعي الفطري في الدماغ تَنْشط بشكل أساسي أثناء النوم، حيث تلعب هذه الخلايا دوراً مهماً في تنظيم العلاقة بين الخلايا العصبية وفي مكافحة العدوى وإصلاح الأضرار وإزالة الرواسب والنفايات العصبية والتهام الحطام من أنسجة الخلايا العصبية الميتة.
ولها دور هام أيضاً في ما يسمى باللدونة العصبية، وهي العملية المستمرة التي يتم من خلالها توصيل الشبكات المعقدة من الخلايا العصبية فيما بينها وإعادة توصيلها وفكها باستمرار وهذا يلعب دورا كبيراً في عمليات التعليم والذاكرة والإدراك والحركة.
ويُرجع الباحثون السبب في نشاط هذه الخلايا أثناء النوم إلى انخفاض مستويات الناقل العصبي المسؤول عن التوتر والإثارة وهو النورأدرينالين في الدماغ خلال تلك الفترة، حيث إن هذا الناقل يؤثر على نوع من المستقبلات تسمى بمستقبلات بيتا 2 الأدرينالينية وهي توجد بمستويات كبيرة في الخلايا الدبقية الصغيرة، فعندما تكون مستويات هذه المادة الكيميائية عالية في الدماغ وهو ما يحدث أثناء اليقظة وخلال النهار فإنها تؤدي إلى إسكات هذه الخلايا وإيقافها عن العمل.
تأثير النوم على فعالية اللقاحات والمناعة الناتجة عنها
اللقاحات هي عبارة عن أجزاء من العامل الممرض أو أشكال ضعيفة وغير حية منه يتم إعطاؤها للإنسان لتمنح جسمه فرصة التعرف عليه وتطوير مناعة ضده تحسباً لأي تعرض مستقبلي له فيمنحه بذلك القدرة على المقاومة والمحاربة دون أن يؤثر على الجسم بشكل كبير.
أظهرت الدراسات بوضوح أن النوم له تأثير هام على نتائج اللقاحات والمناعة التكيفية الناتجة عنها. حيث بينت الدراسات التي أجريت على لقاحات مثل التهاب الكبد وإنفلونزا الخنازير (H1N1) إنّ الشخص الذي لا ينام في الليلة التالية لتلقيه اللقاح تكون استجابته المناعية أضعف، وربما يزداد حاجته إلى تلقي جرعات إضافية من أجل الحصول على المناعة المطلوبة.
كما وجدت دراسات أخرى تم إجراؤها على أشخاص لم يتمكنوا من الحصول على القسط الكافي من النوم (أي 7 ساعات من النوم الجيد على الأقل) بعد تلقيهم اللقاح انخفاضاً في فعالية اللقاح وذلك لأنهم لم يمنحوا أجسامهم الوقت الكافي لتكوين المناعة وتطوير الذاكرة المناعية أثناء النوم مما يجعلهم غير محميين بالشكل المطلوب.
تأثير الحرمان من النوم على الحساسية
الحساسية هي عبارة عن استجابة مبالغة بها من الجهاز المناعي تجاه أجسام وعوامل غير ضارة بشكل عام لمعظم الناس. وقد وجدت الأبحاث الحديثة أن انتظام الساعة البيولوجية للإنسان له دور في تنظيم ردة فعل الجسم تجاه مسببات الحساسية، وإن اضطرابها يمكن أن يزيد من احتمالية حصول الحساسية وكذلك من شدة الحساسية ذاتها وهذا ما يحصل عندما يضطرب نظام النوم لدى الإنسان.
كما تم الربط بين قلة النوم والحساسية من خلال إحدى الدراسات الأخرى التي وجدت أن الحرمان من النوم يجعل الأشخاص الذين يعانون من حساسية الفول السوداني أكثر عرضة للإصابة بنوبات الحساسية الناتجة عن التعرض له وذلك لأن قلة النوم تقلل من العتبة المطلوبة للكمية اللازمة من العامل المسبب للحساسية لإحداث النوبة بنسبة 45%.
تأثير الاستجابة المناعية للجسم على النوم
تتسبب الأمراض المعدية الحادة في استجابات مختلفة من قبل الجهاز العصبي المركزي كالحمى والتعب والنعاس والانسحاب الاجتماعي والمزاج السلبي (الاكتئاب والقلق) وفرط الحساسية للألم وانخفاض في الشهية، وهذه التغييرات تُعتبر استجابات تكيفية للجهاز العصبي المركزي تجاه المرض المعدي ويفترض أنها تساعد في تسريع عملية التعافي. فعلى سبيل المثال يتسبب التعب والنعاس الناتج في تعزيز حالة عدم النشاط للإنسان ودفعه للنوم والراحة في السرير لأطول مدة ممكنة مما يوفر الطاقة اللازمة للجهاز المناعي والجسم للتخلص من العوامل الممرضة والقضاء على المرض. وهذه الاستجابات من الجهاز العصبي المركزي تتم عن طريق تحفيزها من قبل بعض وسائط الالتهاب التي يتم إفرازها من قبل خلايا الجهاز المناعي كالسيتوكينات والبروستاجلاندين.
وليس هذا فقط حتى أن طبيعة النوم وسير مراحلها كذلك تتأثر بالاستجابة المناعية للجسم تجاه العدوى والإصابات المختلفة، فيزداد الوقت الذي يقضيه الإنسان في المرحلة الثالثة من نوم حركة العين غير السريعة NREM والتي تعرف بمرحلة النوم العميق، وهذه المرحلة تتميز بكون العمليات الفيزيولوجية للجسم تتباطأ وتكون فيه عمليات التمثيل الغذائي في أدنى مستوياتها مما يوفر الطاقة اللازمة للجهاز المناعي لمحاربة العدوى.
إرسال تعليق