
رغم عدم معرفتنا الكاملة بمكوناتها ومحتوياتها، وعدم درايتنا بمدى سلامتها وأضرارها، تعد مستحضرات التجميل من أكثر المواد مبيعاً على مستوى العالم وأكثرها استخداماً وخاصةً من قِبَل النساء، حيث تُصرف عليها مبالغ طائلة ويُنفق عليها أوقات هائلة، وباتت تشكل عند البعض إدماناً يتطلب التخلص منه تدخلاً طبياً ونفسياً.
وفي الآونة الأخيرة وفي ظل استمرار العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بمدى سلامة هذه المواد والمستحضرات المستخدمة بشكل لا يُصدق في العالم، توصلت دراسة حديثة نُشرَت نتائجها على الأنترنيت في مجلة Environmental Science & Technology Letters إلى احتمالية تعرض الناس وخاصة النساء منهم إلى مواد كيميائية سامة وضارة بصحتهم من خلال منتجات التجميل التي يستخدمونها بشكل يومي.
حيث اكتشف الباحثون في هذه الدراسة وجود مستويات عالية جداً من الفلور العضوي organic fluorine في معظم المواد التجميلية والمنتجات التي اختبروها (والتي اشتملت على مجموعات من الماسكارات وكريمات الأساس وأحمر الشفاه وغيرها) والتي تشير إلى احتمالية وجود ما يُعرف بـ فاعلات بالسطح الفلورية Per- and Polyfluoroalkyl Substances والتي يرمز لها اختصاراً بـ PFAS ضمن هذه المنتجات.
والفاعلات بالسطح الفلورية PFAS هي مجموعة واسعة ومتنوعة من المواد الكيميائية العضوية الفلورية، والتي تستخدم في العديد من الصناعات والمجالات لتغيير خصائص الأسطح والادوات وجعلها مقاومة للماء والزيوت وغير قابلة للالتصاق مثل أدوات الطبخ والسجاد وكذلك الملابس المضادة للماء وغيرها. وكذلك يستخدم في منتجات التجميل المتنوعة لإضفاء بعض الخصائص المتميزة عليها كاللمعان أو المقاومة والتحمل وغيرها.
وهذه المواد يطلق عليها بعض الباحثون اسم "المواد الكيميائية الأبدية" "forever chemicals" وذلك لمقاومتها وعدم تحللها في الطبيعة وتراكمها لسنوات وحتى قرون عديدة، ويعتقدون إنها قد تتراكم في جسم الإنسان كذلك نتيجة التعرض المستمر لها وبالتالي تصل إلى مستويات قد تلحق الضرر به وبأعضائه المختلفة.
ووفقاً لمركز السيطرة على الأمراض الأمريكي CDC فإن التعرض لفاعلات بالسطح الفلورية PFAS قد يؤدي إلى زيادة مستويات الكوليسترول، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى والخصية، وإحداث تغييرات في إنزيمات الكبد وخفض الاستجابة للقاحات عند الاطفال، وزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل.
ويعتقد الباحثون أيضاً أن التعرض لبعض هذه المواد قد يضعف الوظيفة المناعية في الجسم، ويزيد من خطر الإصابة بالسكري والسمنة واضطرابات الغدد الصم.
أي باختصار يُعتقَد أنها مواد تُلِحق أضرار عديدة بأعضاء جسم الإنسان المختلفة، وإن لم يتم حتى الآن التعرف سوى على أضرار ومساوئ أنواع قليلة منها.
ولذلك كان اكتشاف الباحثون في هذه الدراسة لوجود مستويات عالية جداً من هذه المواد في مستحضرات التجميل رغم عدم تضمينها ضمن محتويات المنتج المكتوبة على ملصقه أمراً هاماً قد يغير من تعامل الناس مع هذه المواد والمستحضرات.
حيث جمع الباحثون 231 منتجاً من مستحضرات التجميل المختلفة من أسواق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وقاموا بفحص مستويات المركبات الفلورية فيها.
فوجدواً أن ثلاثة أرباع عينات الماسكارات المقاومة للماء كانت تحتوي على تراكيز عالية من الفلور، بالإضافة إلى ما يقرب من ثلثي مستحضرات الأساس وأحمر الشفاه السائلة، وأكثر من نصف منتجات العين والشفاه الأخرى.
ولاحظ الباحثون أن أكثر المنتجات احتواءً على هذه المواد الكيميائية كانت تلك التي تم تسويقها على أنها مقاومة للماء والزيوت أو على أنها تدوم طويلاً.
وفي الأسفل جدول تفصيلي بأعداد المستحضرات والمواد التي تم اختبارها ونسبة المنتجات التي احتوت على نسبة عالية من الفلور العضوي منها:
وفي دراسة مماثلة أخرى كانت قد أجرتها وكالة حماية البيئة الدنماركية في عام 2018 وجد الباحثون وجود مستويات عالية من PFAS في ما يقرب من ثلثي منتجات مستحضرات التجميل التي اختبروها.
ويعتقد الباحثون أن تضمين هذه المواد في منتجات التجميل قد تشكل خطراً على صحة الإنسان، وذلك لأن معظم هذه المنتجات تستخدم على الوجه مما يوفر عدة طرق محتملة يمكن أن تنتقل من خلالها هذه المواد إلى جسم الإنسان، كأن يتم امتصاصها من الجلد بشكل مباشر، أو أن يتم تنفسها من الأنف أو يتم ابتلاعها من الفم، أو أن تنتقل عن طريق القنوات الدمعية الموجودة في العين، وكل هذا يمكن أن يسمح لهذه المواد أن تتراكم وتتجمع في الجسم وتصل لمستويات ضارة قد تلحق الضرر به وتتسبب في حصول أمراض عديدة.

ومما يجدر الإشارة إليه إلى أن هذه الأبحاث والدراسات المتعلقة بأضرار PFAS المتضمنة في منتجات التجميل لا تزال محدودة وغير كافية لتأكيد احتمالية انتقال هذه المواد إلى جسم الإنسان أو إلحاقها الضرر به ولا سيما بالكميات المتضمنة ضمن هذه المنتجات، وإلى الآن لم يصدر عن منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA أي قرار متعلق بمنع استخدام هذه المواد في مستحضرات التجميل وإن كانت قد نصحت بالتقليل من استخدامها.
إن هذه التحذيرات المستمرة وخاصة المتعلقة بمثل هذه المواد والمنتجات التي لا تمثل أموراً حياتية ويمكن الاستغناء عنها بسهولة يجب أن تلقى آذاناً صاغية وتكون رادعاً لاستخدامها ومانعاً من الإدمان عليها، وكذلك دافعاً للاستفادة من المبالغ الهائلة والأوقات الكثيرة التي تصرف عليها والموارد التي تُبذر في تصنيعها وانتاجها في ما يفيد الإنسان ويؤثر على حياته بشكل إيجابي.
يمكن الإطلاع على تفاصيل الدراسة من هنا
إرسال تعليق