
إن وقت الذهاب للنوم يعد مشكلة كبيرة يعاني منها الكثير من الناس في وقتنا الحاضر، ولا سيما بعد اختراع المصباح الكهربائي، والتطور التكنولوجي الكبير الذي حصل في الفترة الأخيرة، والذي جعل الناس مُعرَّضون للأضواء الاصطناعية خلال اليوم كله، مما سبب خللاً في إيقاع الساعة البيولوجية لدى الكثير منهم، وأصبح وقت النوم لدى معظمنا هو الوقت الذي يَفْرُط فيه من التعب، وينام والهاتف الذكي بيده والحاسوب بجانبه.
وكان الباحثون والأطباء دائماً ما يحذرون من هذا الخلل وتأثيره على صحة الجسم، وكانوا ينصحون بالنوم المبكر والاستيقاظ المبكر، إلا أن الإبكار في حد ذاته قد أصبح نوعاً من التأخير في يومنا هذا، فبينما كان الإبكار يعني سابقاً النوم في العاشرة مساءً أو بعده بقليل، فهو يعني اليوم النوم قبل منتصف الليل أو بعده بقليل.
فمعظم الدراسات والأبحاث السابقة كانت تجري حول العلاقة بين مدة النوم وصحة الجسم [يمكنكم قراءة مقال: عدد ساعات النوم التي يجب الحصول عليها كل ليلة حسب الفئة العمرية وكذلك مقال: العلاقة بين النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية]، دون أن تتطرق إلى الوقت الأمثل للنوم. إلا أن هذه الدراسة التي بين يدينا اليوم والتي جرَت في إنجلترا، سلكتَ طريقاً مختلفاً عن الأبحاث السابقة، وحاولت أن تحدد الوقت الأمثل والأفضل للنوم بالنسبة لصحة القلب والأوعية الدموية.
وقد وجدت هذه الدراسة التي نُشِرتْ حديثاً في مجلة European Heart Journal - Digital Health وهي مجلة تابعة للجمعية الأوروبية لطب القلب European Society of Cardiology (ESC) بأن النوم بين الساعة 10:00 والساعة 11:00 مساءً مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك مقارنةً بأوقات النوم المبكرة أو المتأخرة عن ذلك.
وتعد أمراض القلب والأوعية الدموية أهم سبب للوفاة في جميع أنحاء العالم مع ما يقدر بحوالي 19 مليون حالة وفاة كل عام. وهذا ما يُحتِّم علينا توجيه جهود كبيرة لدراسة عوامل الخطر المتعلقة بها، وخاصةً القابلة للتغيير، لنتمكن من السيطرة عليها والتحكم بها، وبالتالي الوقاية من هذه الأمراض.
وأشارَت نتائج الدراسة إلى أنَّ النوم المبكر أو المتأخر قد يكون سبباً لتعطيل إيقاع الساعة البيولوجية للجسم، وبالتالي التسبب بعواقب سلبية على صحة القلب والأوعية الدموية. فالجسم كما نعلم لديه ساعة بيولوجية داخلية تنظم الأداء البدني والعقلي خلال اليوم، وأي خلل في إيقاع هذه الساعة سيكون له تأثيرات سلبية جداً على صحة الجسم والعقل.
وشملت عينة الدراسة، أكثر من 88026 شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 43 و79 عاماً، و58% منهم من النساء. وقد تم اختيار عينة الدراسة بدقة شديدة من بين 103679 مشارك كان قد تم الحصول على معلومات عن مواعيد نومه واستيقاظه، إذ تم استبعاد الأشخاص الذين كانت بياناتهم غير كاملة فيما يتعلق بعوامل الخطر الأخرى المتعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية كالتدخين ومستويات الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم وغيرها، كما اُستبعِدَ الأشخاص الذين كان قد تم تشخيصهم في وقت سابق بالأمراض القلبية الوعائية أو الأرق insomnia أو توقف التنفس أثناء النوم sleep apnea.
وتم في بادئ الأمر جمع بيانات المشاركين الخاصة بمواعيد النوم والاستيقاظ على مدار سبعة أيام باستخدام جهاز يتم ارتداؤه على معصم اليد. ثم أكمل المشاركون تعبئة الاستبيانات التي قُدِّمَتْ لهم من قِبَل الباحثين للحصول على معلومات عن حالتهم الصحية ونمط حياتهم.
وبعد ذلك قام الباحثون بمتابعة المشاركين لمدة 6 سنوات تقريباً، لملاحظة أي تشخيص جديد لأمراض القلب والأوعية الدموية لديهم، والتي شملت النوبة القلبية heart attack، وفشل القلب heart failure، وأمراض القلب الإقفارية المزمنة chronic ischemic heart disease، والسكتة الدماغية stroke، والنوبات الإقفارية العابرة transient ischemic attack.
وخلال فترة المتابعة هذه أُصيبَ 3172 مشاركاً (أي 3.6% من المشاركين) بواحدة من أمراض القلب والأوعية الدموية السابقة الذكر، والمثير للدهشة هو أن الباحثين وجدوا أن معدل الإصابة كان أعلى في أولئك الذين كانوا ينامون في منتصف الليل أو بعد ذلك، في حين كان المعدل أقل في أولئك الذين كانوا ينامون بين الساعة 10:00 و10:59 مساءً.
ومقارنةً بالنوم بين الساعة 10:00 و10:59 مساءً كانت نتائج الدراسة على الشكل التالي:
- كان هناك خطر أعلى بنسبة 25% للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عند النوم في منتصف الليل أو بعده
- كان هناك خطر أكبر بنسبة 12% عند النوم في الفترة بين 11:00 و 11:59 مساءً.
- ووجد الباحثون أن الخطر كان عالياً أيضاً عند النوم قبل الساعة 10:00 مساءً بنسبة 24%.
وقد تم تحديد العلاقة بين وقت النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية بعد أخذ عوامل الخطر الممكنة الأخرى بعين الاعتبار، والتي شملت العمر والجنس ومدة النوم وعدم انتظام النوم والنمط الزمني المبلغ عنه ذاتياً (طيور المبكرة أو بومة الليل)، والتدخين ومؤشر كتلة الجسم ومرض السكري وضغط الدم والكوليسترول والحالة الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الدراسة وإن لم تكن قادرة على تحديد العلاقة السببية بين وقت النوم وصحة القلب والأوعية الدموية، إلا أنها لفتت الأنظار إلى عامل خطر مُحتَمَل آخر لأمراض القلب والأوعية الدموية، وقد يشكل تحديد وقت النوم عاملاً سهل التحكم به والسيطرة عليه للوقاية من هذه الأمراض، إذا ما تم تأكيد هذه العلاقة في دراسات وأبحاث لاحقة أخرى.
فهذه الدراسة رغم أهميتها غير كافية لتعميم الأمر، واعتباره قاعدة ثابتة، فالأمر كما قلنا يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق، مع توسيع دائرة المشاركين من حيث العدد والعرق والعمر وغيرها، وإلى ذلك الوقت ننصحكم بالاهتمام بنومكم وعدم إهماله فهو يعد عامل هام من عوامل الصحة الجسمية والعقلية، ويمكن قراءة مجموعة مقالاتنا التي نشرناها سابقاً ضمن سلسلة النوم معجزة إلهية (وهي لم تنتهي بعد) بالضغط هـنـا.
ويمكنكم الاطلاع على تفاصيل الدراسة من هنا.
إرسال تعليق