
استهلاك الفطر له العديد من الفوائد على الصحة الجسدية والعقلية، ولكن رغم ذلك لا يتم استهلاكه من قبل عدد كبير من الناس، ويعود السبب في ذلك إلى عدم معرفتهم لفوائده الجمة وقيمته الغذائية العالية.
ولذلك نحاول ان نضع بين يديكم نتائج دراسات وأبحاث أكّدت على أهمية استهلاك الفطر، وبيّنت فوائدها الكثيرة على صحة الإنسان.
وقد نشرنا في هذا الخصوص مقال بعنوان (استهلاك الفطر قد يساعد على الوقاية من السرطان) والذي يمكنكم الوصول إليه بالضغط هنا. كم أننا نشرنا مقالاً بعنوان (تناول الفطر قد يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب) والذي يمكنكم الوصول إليه أيضاً بالضغط هنا.
أما في مقالنا هذا فسنلقي الضوء على دراسة بحثت في العلاقة بين الصحة العقلية واستهلاك الفطر، فقد وجد باحثون من قسم الطب النفسي وقسم الكيمياء الحيوية في كلية يونغ لو لين للطب Yong Loo Lin School of Medicine في جامعة سنغافورة الوطنية National University of Singapore (NUS) أنّ كبار السن الذين يستهلكون حصتين من الفطر أسبوعياً قد يقل لديهم خطر الإصابة بالاختلال المعرفي المعتدل (أو ما يسمى أيضاً بالتدهور الإدراكي المعتدل) Mild Cognitive Impairment (MCI) بنسبة 50%.
والاختلال المعرفي المعتدل، هي مرحلة من التدهور المعرفي والإدراكي يتميز بمشكلات في الذاكرة واللغة والتفكير والانتباه والحكم على الأشياء، ولكن بشدة أقل مما تكون عليه في حالات الخرف الناجم عن الزهايمر أو غيرها من الأمراض العصبية الأخرى ودون أن تؤثر على حياة الإنسان اليومية بشكل كبير، فهي إذاً مرحلة ما بين التدهور المعرفي الطبيعي المرافق للشيخوخة الطبيعية والتدهور الناجم عن الخرف. ولكن الاختلال المعرفي المعتدل يمكن أن يتطور عند بعض المصابين به إلى داء الزهايمر أو أي نوع آخر من الخرف، رغم إن بعضهم الآخر قد يبقى مستقراً لسنوات دون أن يزداد سوءاً وعدد قليل منهم قد يتحسن بمرور الوقت (وإن كان نادراً).
استمرت هذه الدراسة لمدة ست سنوات وذلك بين عامي 2011 و 2017، وفيه تم دراسة بيانات عائدة لأكثر من 650 شخص من كبار السن الصينين القاطنين في سنغافورة، والذين كانت أعمارهم فوق سن الستين. وقد تم تشخيص 90 شخصاً منهم بالاختلال المعرفي المعتدل وذلك بعد تعريضهم لمجموعة من الاختبارات والاستبيانات.
ولاحظ الباحثون في هذه الدراسة والتي نُشرت نتائجها في آذار 2019 في مجلة Alzheimer's Disease، بأن كبار السن الذين كانوا يتناولون حصتين أو أكثر من الفطر أسبوعياً قل لديهم خطر الإصابة بالاختلال المعرفي المعتدل بنسبة 50%، وذلك مقارنةً بالمشاركين الذي كانوا يتناولون أقل من حصة واحدة من الفطر أسبوعياً.
والحصة في هذه الدراسة كانت حوالي 150 جرام من الفطر، ولاحظ الباحثون بأنه حتى حصة واحدة فقط من الفطر أسبوعياً كذلك قد تظل مفيدة لتقليل خطر الإصابة بالاختلال المعرفي المعتدل.
ومما يجدر الإشارة إليه بأن عوامل الخطر الأخرى للتدهور المعرفي والإدراكي كالعمر، والجنس، والتعليم، والعادات ونمط الحياة (كتدخين السجائر واستهلاك الكحول والنشاط البدني والحمية الغذائية)، والأمراض المصاحبة (كارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية) قد تم أخذها بعين الاعتبار في هذه الدراسة.
ويعتقد الباحثون إن السبب في هذه العلاقة بين تناول الفطر والتدهور المعرفي قد يكون حمض أميني يُدعى إرغوثيونين Ergothioneine، وهو حمض أميني لا يستطيع جسم الإنسان انتاجه، وهو يتواجد بكثرة في معظم أنواع الفطر، وله خصائص مضادة للأكسدة والالتهاب ويحمي خلايا الإنسان وأنسجته من الجذور الحرة والإجهاد التأكسدي.
وقد أشارت دراسة سابقة بإشراف نفس الفريق إلى أن المسنين الذين تم تشخيصهم بالاختلال المعرفي المعتدل كانت لديهم مستويات أقل بكثير من الإرغوثيونين بالمقارنة مع الأفراد الأصحاء في نفس أعمارهم, وهذا دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأن نقص مستويات الإرغوثيونين قد يكون من عوامل خطر الإصابة بالتنكس العصبي والتدهور الإدراكي، وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في عام 2019 في مجلة Biochemical and Biophysical Research Communications.
كما أن بعض المركبات الأخرى الموجودة في الفطر كالهيريسينونات Hericenones والإريناسين Erinacines، والجرونينات Scabronines، والديكتوفورينات Dictyophorines والتي تساهم في زيادة إفراز عوامل النمو العصبية المختلفة، قد يكون لها دور أيضاً في تقليل خطر التدهور المعرفي.
بالإضافة إلى ذلك يحتوي الفطر على كميات عالية من الألياف الغذائية، والبروتينات، وكذلك الفيتامينات والمعادن، ويعتقد الباحثون أن بعض المكونات الموجودة في الفطر يمكن أن تمنع من انتاج بروتينات ضارة ارتبط تواجدها بداء الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف، مثل بيتا أميلويد وبروتين تاو.
ونعيد التذكير دائماً بأن هذا النوع من الدراسات القائمة على الملاحظة لا يمكن أن تثبت العلاقة السببية بين شيئين، أي أنها لا يمكن أن تثبت أن تناول الفطر يسبب انخفاضاً في خطر التدهور المعرفي الإدراكي، ولكنها فقط تشير إلى وجود ارتباط بين هذين الشيئين، أما كون هذه العلاقة سببية أو لا فهذا ما يحتاج تحديده واثباته إلى المزيد من الدراسة والبحث.
ولكنها رغم ذلك دراسات مهمة، ويجب أن تؤخذ نتائجها بعين الاعتبار، وكلها تؤكد على ضرورة اتباع نظام غذائي صحي وسليم، وتحث على التنويع في تناول الخضروات والفواكه وغيرها من المواد الغذائية، وعدم الاقتصار على الوجبات السريعة والمواد التي لا فائدة منها.
يمكنكم قراءة استهلاك الفطر قد يساعد على الوقاية من السرطان و تناول الفطر قد يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب للتعرف على المزيد من فوائد وخصائص الفطر المميزة.
إرسال تعليق