
السكتة الدماغية هي أحد أهم الأسباب الرئيسية للوفاة والعجز في جميع أنحاء العالم، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 15 مليون شخص في العالم يعانون من سكتة دماغية في كل عام، وفي حين أن ما يقارب من 6 مليون شخص منهم يتوفون بسبب ذلك، فإنّ 5 مليون شخص منهم يعيشون ولكن مع إعاقة دائمة.
وهناك العديد من عوامل الخطر المتعلقة بالسكتة الدماغية، والتي يمكن تعديلها والسيطرة عليها لتجنب الإصابة بها قدر الإمكان، كنمط الحياة غير الصحي، والتدخين، والسكري، وارتفاع ضغط الدم وغيرها.
وكذلك قلة النوم واضطراباته تُعَد من العوامل الهامة التي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بشكل عام، وقد تطرقنا بشكل مفصل إلى العلاقة بين قلة النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية في مقال سابق يمكنكم الوصول إليه من خلال الرابط التالي: (العلاقة بين قلة النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية)
أما هنا فسنلقي الضوء على نتائج بعض الدراسات التي أثبتت أنّ أمر آخر قد يكون مهما في زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وخطر الوفاة بسببها، ولكن قسم كبير من الناس يكونون في غفلة عنه، ألا وهو كثرة النوم.
فعند الحديث عن الأضرار الكثيرة لقلة النوم على الصحة الجسمية والعقلية والنفسية للإنسان، فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن النوم مفيد بغض النظر عن مدته، بل على العكس تماماً، فإن كثرة النوم كذلك لا تقل ضرراً على صحة الإنسان وحياته.
يمكنكم قراءة مقال عدد ساعات النوم الصحية التي يحتاجها الإنسان حسب الفئة العمرية بالضغط هنا.
دراسة تجد أن كثرة النوم تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 29%
تم إجراء هذه الدراسة من قبل باحثون من جامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا (Huazhong University of Science and Technology) الصينية، ونُشِرت نتائجها في كانون الثاني عام 2020 في مجلة Neurology.
حيث قام الباحثون، بجمع معلومات وبيانات من 31750 شخص في الصين، والذين بلغ متوسط أعمارهم 62 عاماً، ولم يكن لدى أي منهم أي تاريخ مرضي سابق متعلق بالسكتة الدماغية أو أي حالة صحية خطيرة أخرى في بداية الدراسة.
وقد شملت المعلومات التي جمعها الباحثون إجابات المشاركين على اسئلة متعلقة بطبيعة نومهم وعادات القيلولة التي يتبعونها من حيث المدة والجودة.
فكان 8% من المشاركين ممن قد اعتادوا على أخذ قيلولة تدوم لأكثر من 90 دقيقة، و24% منهم كانوا ممن ينامون 9 ساعات على الأقل كل ليلة.
ثم قام الباحثون بمتابعة هؤلاء المشاركين سريرياً لمدة 6 سنوات تقريباً، وخلال فترة المتابعة هذه كانت هناك 1557 حالة سكتة دماغية بين المشاركين.
وبدراسة البيانات ومقارنتها لاحظ الباحثون بأن أولئك الذين أبلغوا عن أنهم ينامون لـ 9 ساعات أو أكثر كل ليلة، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 23% مقارنةً بمن كانوا ينامون بانتظام لمدة 7-8 ساعات.
كما لاحظوا بأن الأشخاص الذين كانوا يقيلون لأكثر من 90 دقيقة في النهار، ازداد لديهم خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 25% مقارنةً مع أولئك الذين كانوا يقيلون أقل من 30 دقيقة.
والأهم من ذلك، هو أن الأشخاص الذين كانوا ينامون 9 ساعات أو أكثر، ويقيلون أيضاً لأكثر من 90 دقيقة في النهار، كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 85% مقارنةً مع أولئك الذين كانوا ينامون ويقيلون بشكل معتدل.
ولم يكتفي الباحثون في هذه الدراسة بالتركيز على عدد ساعات النوم فقط، بل حاولوا إيجاد العلاقة بين جودة النوم وخطر الإصابة بالسكتة الدماغية أيضاً، ولاحظوا أن الأشخاص الذين أبلغوا عن ضعف جودة النوم لديهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسكتة دماغية بنسبة 29% مقارنةً مع أولئك الذين أبلغوا عن جودة نوم جيدة.
ومما يزيد من أهمية هذه النتائج بعض الشيء هو أنها بقيت هامة وذات معنى إحصائياً حتى بعد حساب عوامل الخطر الأخرى للسكتة الدماغية كارتفاع ضغط الدم ومرض السكري والتدخين وغيرها وأخذها بعين الاعتبار.
دراسة أخرى وجدت أن كثرة النوم قد تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 46%
ومن الدراسات التي بحثت في هذه العلاقة بين كثرة النوم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، تلك التي نُشرت في شباط عام 2015 في مجلة Neurology، والتي أشرف عليها باحثون من جامعة كامبريدج البريطانية، والتي وجدت أن كثرة النوم مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 46%.
حيث قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل بيانات عائدة لأكثر من 9600 شخص ليس لديهم تاريخ سابق من السكتات الدماغية، والذين كانت أعمارهم تتراوح بين 42 و 81 عاماً.
وقد كان المشاركون في الدراسة قد أجابوا على اسئلة متعلقة بمدة النوم مرتين، إحداهما بين عامي 1998 و 2000، والأخرى بين عامي 2002 و 2004، ثم جرى متابعتهم حتى عام 2009.
وخلال فترة المتابعة هذه، والتي استمرت 9.5 سنوات تقريباً، حدثت 346 حالة سكتة دماغية. وبمقارنة البيانات وتدقيقها وجد الباحثون أن كثرة النوم (لأكثر من 8 ساعات) كان مرتبطاً بشكل كبير مع زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وذلك بنسبة 46%.
وظل الارتباط قوياً وذا قيمة إحصائية حتى بعد حساب عوامل الخطر الأخرى لأمراض القلب والأوعية الدموية وأخذها بعين الاعتبار، كما ظل قوياً حتى عند أولئك الأشخاص الذين أبلغوا عن جودة نوم جيدة.
وكان مما لاحظه الباحثون أيضاً في تلك الدراسة أن الأشخاص الذين زادت مدة نومهم بشكل ملحوظ على مدار 4 سنوات ازداد لديهم خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بمقدار أربعة أضعاف تقريباً.
ولم يكتفي الباحثون بما وصلوا إليه فقط، بل قاموا بإجراء تدقيق تلوي لعدة دراسات وأبحاث بحثت في هذه العلاقة بين كثرة النوم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وذلك لمعرفة مدى أهمية النتائج التي توصلوا إليها، فوجدوا إن كثرة النوم كان مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 45% (وهي نتيجة جامعة للدراسات التي تمت مراجعتها في هذا التحليل التلوي).
وهناك المزيد
وقد بينت دراسة أخرى تم اجراءها على أكثر من 63.000 شخص بالغ من الصين تتراوح أعمارهم بين 45 و 74 عاماً، أنّ النوم لمدة 9 ساعات وأكثر كان مرتبطاً بزيادة خطر الوفاة بالسكتة الدماغية بنسبة 54%.
كما أشارت دراسة أخرى تم اجراءها على أكثر من 93.000 امرأة دخلت سن اليأس، تتراوح أعمارهن بين 50 و 79 عاماً، إلى أن النساء اللواتي كن قد أبلغن عن أنهن ينمن أكثر من 9 ساعات أو أكثر كل ليلة قد ازداد لديهن خطر الإصابة بالسكتة الدماغية الإقفارية بنسبة 70% بالمقارنة مع أولئك اللواتي كن ينمن لمدة 7 ساعات.
إذاً فالعديد من الدراسات والأبحاث متفقة على وجود ارتباط بين كثرة النوم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وإن كانت العلاقة السببية بينهما لم يتم اثباتها حتى الآن، إلا أنّ وجود مثل هذه العلاقة كافية لأن تكون رادعاً عن الإفراط في النوم.
الآليات المحتملة
أما بالنسبة للآليات الدقيقة الكامنة وراء هذه العلاقة بين كثرة النوم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية أو زيادة خطر الوفاة بسببها فهي غير واضحة تماماً حتى وقت إعداد هذا المقال.
ولكن هناك بعض الأمور التي قد توضح هذه العلاقة بعض الشيء والتي منها:
- أن كثرة النوم (لأكثر من 8 ساعات) كان مرتبطاً في عدة دراسات بزيادة مستويات الالتهاب في الجسم. وحالة الالتهاب المستمرة في الجسم من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على صحة الإنسان بجوانبها المختلفة.
- كما ارتبطت كثرة النوم ببعض أمراض ومشاكل القلب والتي تزيد بدورها من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية، كالرجفان الأذيني، وتصلب الشرايين وغيرها.
- كما أن كثرة النوم هي بطبيعة الحال تشير في معظم الأحيان إلى شخصية كسولة وقليلة الحركة والنشاط، وكئيبة وغير متبعة للعادات الصحية في الكثير من أمور الحياة، وبالتالي شخصية تعاني من العديد من المشاكل الصحية كالسمنة وارتفاع مستويات الدهون، وكذلك بعض الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم، وهي كلها عوامل خطر للإصابة بالسكتات الدماغية والوفاة بسببها.
قيود الدراسات وسلبياتها
إن معظم هذه الدراسات لها بعض القيود والسلبيات، والتي قد تقلل من أهمية النتائج بعض الشيء ولكنها بالتأكيد لا تنفيها ولا تمنع الاستشهاد والالتزام بها، وإنما توّضح الحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة، ومن هذه السلبيات:
- كونها دراسات قائمة على الملاحظة، ولا يمكنها بأي شكل من الأشكال إثبات العلاقة السببية بين كثرة النوم والسكتة الدماغية، وإنما فقط تُشير إلى إن خطر الإصابة بالسكتة الدماغية كان أعلى لدى أولئك الذين ينامون أو يقيلون بكثرة، أما لماذا وكيف وهل إحداها تسبب الأخرى فهذا غير واضح تماماً.
- إن المعلومات المتعلقة بطبيعة النوم ومدته وجودته تم الحصول عليها من إجابات الأشخاص المشاركين الشفهية أو الكتابية، وهي تُعتبر أقل ثقة من تلك التي كان يمكن الحصول عليها بمراقبتهم مباشرة أثناء نومهم أو الحصول عليها من خلال أجهزة مراقبة نوم خاصة.
- إن بعض هذه الدراسات لم تأخذ بعين الاعتبار اضطرابات النوم، والتي قد تكون أثرت بشكل من الأشكال في نتائج الدراسات وما تم التوصل إليه.
الخلاصة
رغم بعص القيود والسلبيات المتعلقة بطبيعة واجراءات الدراسات التي استشهدنا بها، إلا أنَّ جميعها متفقة بعض الشيء في النتائج التي تم الوصول إليها، في أن كثرة النوم والقيلولة الطويلة قد تؤثران بشكل سلبي على صحة الجسم، وتزيدان من خطر الإصابة بالكثير من الأمراض وخاصة أمراض القلب والأوعية الدموية.
وهذا يوجب علينا الحذر من هذا الأمر، ولا سيما أن كثرة النوم مشكلة بكل المقاييس، الدينية منها والدنيوية، وهي لا تدل سوى على ضعف في الهمة والعزيمة، وضعف في الإيمان والعمل الصالح، ولا شكّ في أنها تؤثر سلباً على صحة الإنسان النفسية والعقلية قبل الجسمية.
يمكنكم أيضاً قراءة مقال نصائح وإرشادات لنوم صحي ومريح بالضغط هنا.
إرسال تعليق