عند الإصابة بالأمراض، ولاسيما في فصل الشتاء وخلال موسم الإنفلونزا، يزداد تهافت الناس على أطعمة بعينها أو مكملات غذائية وفيتامينات محددة يعتقدون بأنَّ لها دوراً في تعزيز الجهاز المناعي وتقويته.
فيبدؤون بالبحث في صفحات الإنترنيت عن غذاء أو مكمِّل سحري يوفّر عليهم الالتزام بالأنظمة الغذائية الصحية الشاقة، والتمارين الرياضية المتعبة، ومواعيد النوم المحددة، وغيرها من العادات الضرورية للحياة الصحية التي ينصح بها الأطباء.
إلا أن ما يغفل عنه أو يتغافل عنه معظم هؤلاء الأشخاص، كون النظام المناعي في جسم الإنسان عبارة عن نظام معقد، يشمل العديد من الأجهزة والأنسجة والخلايا، والتي يتميز كل منها بقدرتها على القيام بوظائف محددة لمساعدة الجسم في الوقاية من الأمراض، والتخلص من العوامل الممرضة المختلفة، كالجراثيم والفيروسات والطفيليات.
فالنظام المناعي في جسم الإنسان أعقد بكثير من أن يتمكن عنصر واحد أو مادة واحدة من تقويته، وزيادة قدرته على محاربة العدوى بالشكل الأفضل.
فكل مرحلة من مراحل عمل هذا النظام المعقد والمعجزة يحتاج لإتمام عمله إلى العديد من العناصر والمركبات والجزيئات، والتي يلعب كل واحدٍ منها دوراً يختلف عن الآخر، ويقوم بمهمة تختلف عن الأخرى.
ولم يُثبت حتى الآن في أن مادة غذائية واحدة أو مركباً معيناً أو عنصراً محدداً يستطيع أن يحُلَّ محل كل هذه العناصر والمواد، أو أن يعزز من قدرتها جميعاً على أداء مهامها دون استثناء.

هل هذا يعني أنه لا أهمية للغذاء والطعام البتة في تقوية الجهاز المناعي وتعزيز عمله؟
بالطبع لا، ولا يمكن لأحدٍ مهما كان أن يقول ذلك، بل على العكس من ذلك تماماً تعد التغذية السليمة أساساً لابُدَّ منه لتقوية الجهاز المناعي وزيادة قدرته على أداء مهامه في محاربة العدوى ومقاومة العوامل الممرضة.
بل وأكثر من ذلك حيث يعد تناول ما يحتاج إليه الجسم من العناصر الغذائية الضرورية كجزء من نظام غذائي متوازن ومتنوع، أمراً ضرورياً ولا بدَّ منه لصحة وسلامة وظيفة جميع الخلايا في الجسم، وبما في ذلك خلايا الجهاز المناعي نفسه.
ولكن ما نحاول أن نوضحه هنا هو أنه -على الرغم من وجود بعض المواد الغذائية التي تؤثر بشكل خاص على الجهاز المناعي- من المستبعد جداً أن يوفر نوع واحد من المواد الغذائية أو الفيتامينات أو المكملات كل ما يحتاج إليه الجسم لتقوية جهازه المناعي وزيادة قدرته على مقاومة الأمراض خلال فترة محددة وقصيرة، وإنما يتطلب الأمر الالتزام بنظام غذائي صحي ومتوازن في كل يوم ودون التقيد بفترة محددة.
وبناءً على هذا يمكن للأنظمة الغذائية محدودة التنوع وغير الحاوية على العناصر الأساسية كالفيتامينات والمعادن الضرورية، أن تؤثر سلباً على صحة النظام المناعي وقدرته على مقاومة العوامل الممرضة، ومن أهم هذه الأنظمة الغذائية السيئة النظام الغذائي الغربي الغني بالسكر المكرر واللحوم الحمراء، والفقير بالفواكه والخضروات.
ويشدد الباحثون على أن الأشخاص الذين يعانون من سوء في التغذية أو لا يحصلون على كافة العناصر الضرورية لعمل الجسم، معرضون لخطر الإصابة بالعدوى البكتيرية أو الفيروسية بشكل أكبر ممن يعتني بنظامه الغذائي ويحاول التنويع فيه بشكل سليم ليحصل على كافة العناصر الضرورية.
ما النظام الغذائي الذي يجب اتباعه لتقوية الجهاز المناعي؟
ينصح الباحثون دائماً باتباع نظام غذائي صحي يركز على الفواكه والخضروات، والحبوب الكاملة، والبقوليات، والمكسرات، والاستهلاك المعتدل للأسماك ومنتجات الألبان والدواجن، والاستهلاك المحدود لـ اللحوم الحمراء والمُعالَجَة والكربوهيدرات المكررة والسكر.
ومما يجب الانتباه إليه بخصوص النظام الغذائي الصحي هو عملية التنويع، فالتنويع أمر مهم وضروري جداً لضمان الحصول على كافة العناصر التي يحتاج إليها جسم الإنسان، وذلك لأن كل مادة غذائية تمثل مزيجاً مميزاً وفريداً لا مثيل له من العناصر الغذائية.
إذ سيوفر مثل هذا النظام الغذائي كميات مناسبة من المغذيات الصحية، والمعادن، والفيتامينات الأساسية التي يحتاج إليها الجهاز المناعي للعمل بشكل سليم في كل مرحلة من مراحل قيامه بوظيفته.
ومن هذه العناصر التي أثبتت بعض الأبحاث والدراسات دورها وضرورتها لضمان عمل خلايا الجهاز الناعي بشكل أفضل هي: فيتامين ج، وفيتامين د، والزنك، والسيلينيوم، والحديد، والبروتينات.
وتوجد هذه العناصر المهمة في مجموعة متنوعة جداً من الأغذية الحيوانية والنباتية، وهذا ما يجعل التنويع في النظام الغذائي كما ذكرنا أمراً أساسياً لابدَّ منه.
ماذا عن البروبيوتيك والبريبيوتك؟
يضم جسم الإنسان مجتمعاً كبيراً جداً من البكتيريا النافعة التي تحميه وتساعده على التصدي للبكتيريا الضارة، ويسمى هذا المجتمع الذي يضم المليارات بل حتى التريليونات من الكائنات الحية الدقيقة النافعة والمتمركزة بشكل أساسي في الأمعاء بـ الميكروبيوم.
وقد وجد العلماء بأن الميكروبيوم يلعب دوراً أساسياً جداً في مناعة الإنسان، وهي تشكل أحد خطوط الدفاع الرئيسية في التصدي للعوامل الممرضة.
ويؤثر النظام الغذائي الذي يتبعه الإنسان بشكل كبير على بنية وطبيعة هذا المجتمع البكتيري النافع، فيساهم إما بتقويته وتعزيز قدرته على محاربة العوامل الممرضة، أو بإضعافه وتقليل قدرته على المحاربة والتصدي.
وعلى سبيل المثال فإن اتباع نظام غذائي صحي غني بالألياف، والذي يضم الفواكه والخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة، يساهم في نمو البكتيريا النافعة الموجودة في مجتمع الميكروبيوم، وفي زيادة قدرتها على أداء وظائفها وحماية الجسم.
في حين أن النظام الغذائي الفقير بالألياف والغني بالكربوهيدرات والدهون يؤثر بشكل سلبي على هذا المجتمع البكتيري النافع.
وتسمى الأطعمة أو المكملات الغذائية التي تحتوي على الميكروبات الحية التي تساهم في الحفاظ على طبيعة هذا المجتمع البكتيري النافع وتحسين وظائفه بـ البروبيوتك، أما الأطعمة أو المكملات الغذائية (وهي عادة الغنية بالألياف) التي تعمل كغذاء لمستعمرات البكتيريا النافعة هذه فتسمى بـ البريبيوتك.
وتشمل الأطعمة الغنية بالبروبيوتك على الفطر الهندي (الكفير)، اللبن، الخضروات المخمرة، ومخلل الملفوف ... إلخ
أما الأطعمة التي تحتوي على البريبيوتك فتشمل الثوم، والبصل، والكراث، والهليون، والخرشوف، والموز الأقل نضجاً ... إلخ
ويعتقد الباحثون أن إضافة الأطعمة الحاوية على البروبيوتيك والبريبيوتك إلى النظام الغذائي قد يساهم في تقوية الجهاز المناعي، وزيادة قدرته على محاربة العدوى ومقاومة العوامل الممرضة.
ماذا عن الفيتامينات والمكملات الغذائية؟
كما ذكرنا في الأعلى فإن النظام المناعي في كل مرحلة من مراحل عمله يحتاج إلى مجموعة متنوعة من العناصر والمكونات الأساسية كالفيتامينات والمعادن وغيرها، وأي نقص في أحد هذه العناصر يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على صحة هذا الجهاز وبالتالي صحة الإنسان ككل.
وقد وجدت العديد من الدراسات والأبحاث أنَّ نقص عناصر مثل الزنك، والسيلينيوم، والحديد، والنحاس، وحمض الفوليك، والفيتامينات كالـ A و B6 و C و D و E يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على قدرة الجسم المناعية، وذلك من عدة وجوه.
وطبيعة النظام الغذائي الذي يتبعه معظم الناس في يومنا هذا، وهو النظام الفقير بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات، يجعلهم معرضين بشكل دائم للنقص في مثل هذه العناصر الأساسية.
وهذا ما يدفع الكثير من الناس للالتجاء إلى المكملات الغذائية أو حبوب الفيتامينات أو المكملات العشبية كبديل للنظام الغذائي الصحي لتفادي النقص في هذه المواد، دون أي رقابة من قِبل طبيب مختص، الأمر الذي قد يتسبب في حدوث مشاكل وأضرار بالصحة لا تُحمَد عقباها.
وأفضل طريقة ممكنة يمكن أن يتم الحصول من خلالها على الكميات المناسبة والضرورية من هذه العناصر هو باتباع نظام غذائي صحي ومتوازن غني بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات.
ولكن يبقى دائماً هنالك بعض الظروف التي لا يتمكن فيها الشخص من الحصول على الكمية المطلوبة من هذه العناصر عن طريق النظام الغذائي فقط، مثل الظروف التي تزداد فيها الحاجة لهذه العناصر كالحمل والرضاعة، وكذلك مجموعات الناس التي لا تستطيع التنويع في تناول الطعام كالمرضى والرضع والأطفال الصغار والمسنين، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من عوز هذه العناصر أو الذين لديهم مستويات متدنية منها.
وبالنسبة لهذه المجموعات قد تكون مكملات الفيتامينات أو المعادن قادرة على تلبية الحاجة الزائدة، وتكميل النقص الموجود فتساعدهم على الوصول إلى المستويات المطلوب من هذه العناصر.
ويجب بالطبع تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية تحت إشراف أطباء مختصين، وذلك لتفادي أي أضرار أو مشاكل يمكن أن تلحق بالإنسان جراءَ الاستخدام المفرط أو الخاطئ لمثل هذه المكملات.
ماذا عن الثوم وحساء الدجاج وغيرها مما يُعتَقد بأنها تساعد على تقوية المناعة؟
لا يسعنا هنا المجال للتطرق إلى جميع المواد الغذائية التي يعتقد الناس في أنها تساعد على الوقاية من الأمراض وتقوية المناعة لدى الإنسان، ولكن واستناداً لكل ما ذكرناه في الأعلى فلابدَّ أن تكون قد تشكلت لديكم الفكرة الأساسية التي حاولت أن أطرحها عليكم في هذا الموضوع ألا وهي:
إنه من المستبعد جداً أن يساهم عنصراً وحده أو مادةً غذائية بعينها يتم تناولها لفترة محددة وقصيرة (كفترة المرض) في تقوية الجهاز المناعي وتعويض كل ما يحتاج إليه هذا النظام للعمل بشكل سليم، وإنما الأمر يحتاج إلى اتباع نظام غذائي صحي وسليم ومتنوع بشكل يومي.
أما هذه المغذيات والمواد التي تم ذكرها كالثوم وحساء الدجاج والشاي الأخضر وغيرها فهي دون شك تعين على تقوية الجهاز المناعي وقد توفر بعضاً من العناصر الضرورية لعمل هذا الجهاز، وتشكل مورداً يسهل استهلاكها من قبل المرضى الفاقدين للشهية، ولكن المفارقة تكمن في أن استهلاك هذه المواد ضمن نظام غذائي صحي وسليم ولفترات طويلة يكون تأثيرها أكبر وأهم من استهلاكها خلال فترات المرض ولمدة قصيرة.
نصائح لتقوية المناعة؟
كما ذكرنا سابقاً فإن تقوية الجهاز المناعي يحتاج إلى اتباع مجموعة من العادات الصحية وتحقيق التوازن بين مجموعة من العوامل، وهنا نصائح سريعة قد تعين على تحسين المناعة لدى الإنسان بإذن الله:
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن غني بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات
- المحافظة على وزن صحي ومناسب
- شرب كميات كافية من الماء (حاسبة كمية المياه التي يحتاج إليها الجسم يومياً)
- تجنب التدخين وشرب الكحول
- ممارسة تمارين رياضية بانتظام
- الحصول على قدر كاف من النوم
- تحقيق الراحة النفسية والسيطرة على مشاعر الغضب والقلق والتوتر
- اتباع قواعد النظافة الشخصية وخاصة غسل الأيدي بشكل سليم
- اتباع نصائح الأطباء بدقة فيما يخص الأمراض والمشاكل الصحية التي تعانونها
وفي النهاية اعتذار
وفي النهاية اعتذر لكم عن عنوان المقال المضلل بعض الشيء (وإن لم يكن بشكل كامل) لأنني لم أضع بين يديكم غذاءً سحرياً أو مكملاً يمكن أن يساعدكم في تقوية الجهاز المناعي، ولكن أردت من خلال هذا العنوان جذب من يبحثون ويقرؤون في مثل هذه الأمور، لعلّني أستطيع أن أفيدهم وأفتح آفاقهم من خلال هذا المقال بإذن الله سبحانه وتعالى، فأساعدهم على التخلص من خِدَع البعض والابتعاد عن خزعبلاتهم الضارة بالصحة والميزانية في نفس الوقت.
إرسال تعليق