
في أي لحظة من لحظات حياتنا قد نقف وجهاً لوجه أمام مصائب وحوادث مفاجئة تحدث لنا أو للآخرين من حولنا، هذه الحوادث قد تضعنا في مواقف نضطر فيها لأن نقوم ببعض الإجراءات ونتدخل لننقذ أنفسنا أو ننقذ الآخرين، إلا أنّ ألأمر غالباً لا يكون بهذه السهولة؟ لأننا ببساطة لا نعرف ماذا نفعل في مثل هذه المواقف؟ ما الذي يجب علينا أن نقوم به؟ وكيف يجب أن نقوم به؟ وما الأمور التي يجب أن نتجنبها؟
هذا بالإضافة إلى أنّ الحوادث تختلف، بشكلها وطبيعتها وطريقة حصولها، وكل حادثة تحتاج إلى تدخل مختلف عن الآخر، فقد يحدث حريق، أو حالة اختناق، أو نوبة قلبية، أو حادث سيارة، أو سقوط من مكان مرتفع، أو عضة حيوان ... أو غيرها الكثير من الحوادث والمشاكل.
ونحن بطبيعة الحال لا نملك القدرة على منع حصول هذه الحوادث بشكل كامل، ولكن بإمكاننا أن نتعلم ونتقن المهارات والمعلومات التي ستساعدنا على تجاوز هذه المواقف والخروج منها بأقل الخسائر.
إذ يفقد الكثير من الناس أرواحهم أو يُصابون بإعاقات دائمة وصعبة نتيجة تعرضهم لحوادث منزلية ومهنية، وحوادث سير، وكوارث طبيعية. و50% من الوفيات الناتجة عن مثل هذه الحوادث تكون في غضون الـ 30 دقيقة الأولى التالية للحادثة، وهذا يبيّن أهمية التدخل المناسب بالأساليب الإسعافية الصحيحة والمثبتة علمياً خلال هذه المدة القصيرة لإنقاذ المصابين ومنع إصابتهم بمضاعفات خطيرة وإعاقات دائمة.
ولأجل ذلك نقدم لكم في مدونة اقرأ فكرة سلسلة تعليمية في الإسعافات الأولية تحت شعار ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، نتعلم فيها معاً مبادئ وتطبيقات الإسعافات الأولية بشكلها الصحيح استناداً إلى المصادر العلمية الموثوقة.
ونبدأ هنا في الدرس الأول من هذه السلسلة مع مقدمة عامة في الإسعافات الأولية، نتطرق فيها لتعريف الإسعافات الأولية، وتعريف المسعف الأولي ومواصفاته، كما نلقي الضوء على الأهداف الرئيسية للإسعافات الأولية، وأهمية تعلم الأساليب الصحيحة لها، ونجيب كذلك على سؤال من يجب عليه تعلم الإسعافات الأولية؟
ما هي الإسعافات الأولية؟
هي التدخلات والإجراءات الفورية والمؤقتة التي يقوم بها المسعف الأولي لمساعدة شخص سليم تعرض لحادث مفاجئ، أو شخص مريض تدهورت حالته الصحية، وذلك بهدف ضمان استمرار عمل وظائفه الحيوية، ومنع تدهور حالته الصحية، وتقليل شعوره بالألم إلى حين وصول فريق الطوارئ المتخصص لتقديم المساعدة الطبية المتقدمة، ونقله إلى المستشفى.
والتطبيقات الداخلة ضمن مجال الإسعافات الأولية لا يُستخدَم فيها بشكل عام أي أدوية طبية، ولا يشترط للقيام بها توافر أيّ أدوات ومعدات طبية متخصصة، وإنما تتم باستخدام الأدوات والمعدات المتوفرة في مكان الحادث.
من هو المسعف الأولي؟
التعريف العام للمسعف الأولي هو كل شخص يجد نفسه بشكل مفاجئ في حالة طارئة تستوجب منه التدخل السريع لمساعدة شخص آخر أو انقاذ حياته، بغض النظر عن مدى معرفته واتقانه لمهارات الإسعاف الأولي.
أما المسعف الأولي المثالي فهو الشخص الذي تلقى تعليماً نظرياً وتدريباً عملياً يخوّله للقيام بالتطبيقات والتدخلات الإسعافية الأولية الضرورية بأساليبها وطرقها الصحيحة والسليمة.
مكان المسعف الأولي في سلسلة انقاذ الحياة
إذا ما عرفنا إن سلسلة إنقاذ الحياة تتكون من أربع حلقات أساسية هي:
- الاتصال بالإسعاف
- القيام بالإسعافات الأولية في مكان الحادث
- وصول الإسعاف والقيام بالتدخلات الطارئة
- إيصال المريض للمستشفى والقيام بالتدخلات الطبية المتقدمة
فإنّ مسؤولية المسعف الأولي تكون في القيام بمهام الحلقتين الأولى والثانية، أي إخبار فريق الطوارئ فور رؤيته للحادث أو الحالة الطارئة، والقيام بالإسعافات الأولية اللازمة إلى حين وصول فريق الطوارئ.
وإذا ما عرفنا إن 50% من حالات الوفاة الناتجة عن الحوادث والكوارث تحدث خلال الـ 30 دقيقة الأولى التالية للحادث، ندرك أهمية المسعف الأولي الذي يقوم بأهم الخطوات التي يمكن القيام بها ضمن هذه الدقائق الحرجة التي قد تفرق بين الحياة والموت بالنسبة للشخص المصاب.
بعض مواصفات المسعف الأولي المثالي
المسعف الأولي المثالي يكون على دراية ومعرفة جيدة بما يجب عليه القيام به في الظروف الطارئة والحالات الحرجة، ويتمتع بالقدرة على التفريق بين الإجراءات المهمة والأقل أهمية وفقاً لوضع المصاب وظرفه الخاص.
والمسعف الأولي المثالي يدرك جيداً الفرق بين المسعف الأولي والطبيب أو فريق الطوارئ، ولذلك يقوم بما هو مطلوب منه فقط ضمن حدود معرفته التي تلقاها من الدورات التدريبية، ولا يتجاوز حدوده أبداً بالقيام بممارسات وتطبيقات قد تلحق الضرر بالمصاب وتزيد الأمر سوءاً.
كما أن المسعف الأولي المثالي يتمتع بقدرة ملاحظة قوية تعينه على التعرف على المواقف الطارئة بشكل أسرع، ويكون لديه معرفة أساسية بجسم الإنسان وأعضاءه المختلفة.
كما ويتصف بصفات شخصية مثل الصبر، والانتظام، وسرعة البديهة، والثقة بالنفس، والحذر (ليس الخوف)، والمبادرة (ليس التهور)، والتي تساعده على تقديم المساعدة المناسبة في الوقت المناسب للشخص المناسب بشكل أفضل.
الأهداف الأساسية للإسعافات الأولية
إنّ الأهداف الأساسية للإسعافات الأولية هي:
المحافظة على الحياة
ويتم ذلك من خلال تحديد الحالات الطارئة، والقيام بالإجراءات الأولية اللازمة والضرورية للمحافظة على حياة المصاب، وضمان استمرار عمل وظائفه الحيوية بشكل سليم، مثل فتح مجرى التنفس والمحافظة على بقاءه مفتوحاً، والقيام بالإنعاش القلبي الرئوي عند توقف التنفس والقلب عن العمل.
وقيام المسعف الأولي بحماية نفسه وحماية الأشخاص الآخرين المتواجدين في مكان الحادث كذلك يقع في سياق هذا الهدف، وهو أمر لا يقل أهمية عن حماية الشخص المصاب وإنقاذ حياته.
منع تدهور الحالة الصحية
فمثلاً يمكن أن يمنع نقل مصاب يُشتبه بإصابته برض في منطقة الرقبة بشكل مناسب مع تثبيت الرقبة من حصول مضاعفات وإصابات عصبية.
وكذلك تأمين مكان الحادث وإزالة الأسباب التي قد تزيد الأمر سوءاً، وتتسبب في حصول مشاكل أخرى يمكن أن يساعد في تحقيق هذا الهدف.
المساهمة في تسهيل وتسريع عملية الشفاء
إذا يمكن لبعض التدخلات البسيطة والتطبيقات الصغيرة أن تساهم في تسريع عملية الشفاء، فمثلاً تبريد الجزء المحروق من الجسم يمكن أن يقلل من احتمالية تشكل ندبة مكان الجرح ويزيد من سرعة الشفاء.
قاعدة الميمات الثلاث
ويمكن تذكر هذه الأهداف الثلاثة بسهولة من خلال قاعدة الميمات الثلاثة:
- م1: محافظة على حياة المريض
- م2: منع تدهور الحالة
- م3: مساهمة في تسهيل عملية الشفاء.
الدعم المعنوي للمصاب
ويجب معرفة إنّ الإسعاف الأولي لا يقتصر فقط على العناية بجسد الإنسان وجروحه وكسوره، وإنما يتعداه إلى الاهتمام بمشاعره وعواطفه أي إلى العناية بروحه أيضاً، وذلك من خلال طمأنته وإراحته وتقليل مشاعر الخوف والقلق التي لديه، والتعبير عن التواجد بجانبه إلى حين وصول الفريق الطبي المتخصص.
وهذا الدعم النفسي للمصاب لا يقل أهمية عن الدعم الجسدي والمادي، فهو يمكن أن يساهم في زيادة فعالية الدعم الجسدي والمادي، وفي تسريع عملية الشفاء.
أهمية تعلم الأساليب الصحيحة للإسعافات الأولية
التطبيق الصحيح والواعي للإسعافات الأولية يمكن أن يساعد في إنقاذ حياة شخص ما، ومنع تدهور حالته الصحية وإصابته بإعاقات دائمة، وتسهيل عملية شفاءه وتقليل بقاءه في المستشفى، في حين إن التطبيق الخاطئ والممارسات السيئة يمكن أن تؤدي إلى إصابة المريض بإعاقات دائمة أو حتى يمكن أن تتسبب له بالموت، وهذا يبين أهمية تلقي التعليم النظري المناسب، والتدريب العملي الصحيح تحت اشراف مختصين موثوقين.
ويجب التنويه إلى أنه رغم أهمية المعرفة النظرية في الإسعافات الأولية (والذي سنقدمه بشكل شامل في هذه السلسلة من المقالات)، إلا أنها لا تغني بأي شكل من الأشكال عن المشاركة في دورات عملية تساعد في تنمية الجانب العملي والمهاري لدى المسعف الأولي بشكل أفضل، وتزيد من ثقته بنفسه، وتخوله للتدخل بشكل أسرع والحصول على نتائج أفضل.
من الذي يجب عليه تعلم الإسعافات الأولية
الإسعافات الأولية هي من المجالات الضرورية والمهمة جداً في الحياة العامة، وهي باتت تشكل جزءاً من الثقافة الصحية التي لا يسع الإنسان جهلها بغض النظر عن اختصاصه أو مجال عمله، ولذلك يجب على كل شخص واعي أن يتلقى تعليماً نظرياً وعملياً في الإسعافات الأولية، ويتقن القيام بمهاراتها وتطبيقاتها الرئيسية.
ولا أحد منّا يضمن عدم تعرضه لموقف واحد أو أكثر خلال فترة حياته يجبره على تقديم المساعدة والقيام بالتدخلات الإسعافية الأولية سواءً لإنقاذ نفسه أو إنقاذ حياة شخص آخر قريباً كان أم غريباً.
وربما يحتج البعض بأنه خلال فترة حياته كلها قد لا يتعرض لمثل هذا الموقف، أو قد يتعرض لموقف واحد لا أكثر، وهذا برأيه لا يكفي لأن يضيع وقتاً في تعلم أساليب وتطبيقات الإسعافات الأولية، وبالطبع هذا التفكير ليس بتفكير سليم، فمن الأفضل تعلم الإسعافات الأولية وعدم الحاجة إليها، بدلاً من الحاجة إليها وعدم معرفتها، لأنها ببساطة قد تشكل فارقاً بين الحياة والموت، وقد تساعدنا على إنقاذ حياة أقرب الأشخاص إلينا كالأب والأم والأخوة والأبناء.
وقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، فهذا الموقف الوحيد الذي قد نتعرض له يمكن أن يكون وسيلتنا لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، ودخول جنته.
يمكنكم الوصول لجميع منشورات سلسلة الإسعافات الأولية بالضغط هنا.
إرسال تعليق