
إن موضوع التوصية بشرب كميات معتدلة من الكحول لا يزال يشكل إحدى نقاط الاختلاف الأساسية بين الجمعيات والمؤسسات الطبية، فبعضها تراه مفيداً وبعضها الآخر تراه مضراً.
والاستهلاك المعتدل للكحول وفق لإرشادات المملكة المتحدة هو الاستهلاك الذي لا يزيد عن 14 وحدة من الكحول أسبوعياً (أي 112 غراماً من الكحول).
ونحن كمسلمين نؤمن بأن قليل الكحول وكثيره حرام، ولا نشك أبداً في أن قليله
وكثيره له نفس الآثار على صحة الإنسان، إلا أن الأمر ليس نفسه بالنسبة لغير
المسلمين وهم لا يزالون يتخبطون في هذا الموضوع.
وقد ازدادت في الآونة الأخيرة الأدلة والأبحاث التي تدل على أن استهلاك الكحول ولو بكميات معتدلة يمكن أن يؤثر سلباً على صحة الإنسان، ومنها هذه الدراسة التي بين أيدينا والتي نشرت نتائجها في مجلة Plos Medicine.
حيث أشارت هذه الدراسة والتي جرت على ما يقارب من 21 ألف شخص متوسط أعمارهم 55 سنة و49% منهم من النساء إلى أنه حتى المستويات المعتدلة من الكحول يمكن أن تؤدي إلى رفع مستويات الحديد في الدماغ، وهو ما يمكن أن يؤثر بالسلب على الوظائف الإدراكية والمعرفية للإنسان.
وقد ربطت العديد من الدراسات تراكم الحديد في الدماغ ببعض الأمراض الشائعة كالزهايمر وباركنسون، وهو آلية محتملة اقترحتها هذه الدراسة لتفسير التدهور المعرفي المرتبط بالكحول.
حيث أبلغ 20965 شخصاً اشتركوا في الدراسة ذاتياً عن مدى استهلاكهم للكحول، وقاموا بتصنيف أنفسهم في إحدى المجموعات الثلاثة التالية: مستهلك حالي، مستهلك سابق، وغير مستهلك أبداً للكحول. وثم تم حساب الاستهلاك الأسبوعي للكحول لأولئك الذين صنفوا أنفسهم شاربين حاليين للكحول.
وقام الفريق البحثي بتصوير أدمغة جميع المشاركين باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي وكذلك تصوير أكباد 7000 شخص منهم بنفس التقنية وذلك لتحديد مستويات الحديد في تلك الأعضاء.
وبعد ذلك شارك جميع الأشخاص في سلسلة من الاختبارات البسيطة والتي كان الهدف منها تقييم الوظائف الإدراكية والحركية لديهم.
على الرغم من أن 2.7% من المشاركين صنفوا أنفسهم على أنهم لا يشربون الكحول أبداً، إلا أن متوسط الاستهلاك الأسبوعي للكحول كان 18 وحدة (144 غراماً من الكحول) وهو ما يقابل حوالي 7 علب من البيرة أو 6 أكواب كبيرة من النبيذ.
وبعد البحث والتدقيق لاحظ الفريق البحثي أن الأشخاص الذين استهلكوا 7 وحدات أو أكثر من الكحول أسبوعياً (56 غراماً أي ما يعادل 3 علب من البيرا أو 3 أكواب من النبيذ بسعة 175 مل) كانت لديهم مستويات أعلى من الحديد في بعض مناطق الدماغ وخاصة بعض العقد القاعدية.
والعقد القاعدية، هي مجموعة من المناطق في الدماغ مسؤولة عن التحكم في العمليات الحركية والتعليمية وحركة العين والإدراك والعاطفة وغيرها من الوظائف.
ولاحظ الباحثون أن تراكم الحديد في هذه المناطق ترافق مع تضرر الوظائف الإدراكية والمعرفية لدى المستهلكين للكحول.
وقد كان معروفاً أن استهلاك الكحول يمكن أن يدمر الدماغ ويسبب تدهوراً سلوكياً ومعرفياً، إلا أن الأمر الذي كان مجهولاً أو مشكوكاً فيه هو تسبب الكميات المعتدلة من الكحول أيضاً في هذا.
ومن الآليات التي تؤثر بها الكحول على الدماغ وتضر به هي تأثيرها السام المباشر على الخلايا الدماغية، ومن الآليات الأخرى التي تقترحها هذه الدراسة هو تراكم الحديد الناتج عن استهلاك الكحول، إلا أن إثبات ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.
هذه الدراسة رغم وجود بعض العيوب والسلبيات فيها إلا أنها تعد من أكبر الدراسات التي بحث تأثير الاستهلاك المعتدل للكحول على الوظائف الإدراكية والمعرفية حتى الآن. وهي كغيرها من الدراسات القائمة على الملاحظة لا تستطيع تأكيد العلاقة السببية بين استهلاك الكحول وتراكم الحديد وتضرر الوظائف الإدراكية المعرفية، إلا أنها تؤكد وجود ترابط بينهم.
ومن الجدير بالذكر أن المشاركين الذين صنفوا أنفسهم بأنهم لم يشربوا الكحول أبداً أظهروا أدنى مستويات من الحديد في أدمغتهم.
ونحن كمسلمين نمتنع عن شرب الكحول امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، ونتعرض لذكر
هذه الدراسات وأمثالها لعلّها تساهم ولو قليلاً في رد أولئك الذين يشربون الكحول
إلى رشدهم والتزام أمر ربهم.
يمكن الاطلاع على تفاصيل الدراسة بالضغط هنا.
إرسال تعليق