يُوصي العلماء بعدد ساعات محددة من النوم، يجب الحصول عليها كل ليلة من أجل المحافظة على صحة الجسم، وقدرات العقل، والبقاء في حالة يقظة ونشاط خلال النهار، وهذا ما تطرقنا إليه في مقال: عدد ساعات النوم التي يجب الحصول عليها كل ليلة حسب الفئة العمرية
ولكن في ظل هذه الحياة السريعة التي نحياها والتي بات كل شيء فيها عبارة عن كبسة ذر، وفي ظل هذا الجري المستمر خلف الأعمال التي لا تنتهي أبداً، أصبح النوم في الليل بالنسبة للكثير من الناس عبارة عن ساعات ضائعة، وبالتالي يجب التقليل منها بقدر الإمكان، واستغلال تلك الساعات أيضاً في العمل لتحقيق المزيد والمزيد من النجاح والتقدم.
هذا الأمر جعل البعض من الناس يقللون عدد الساعات التي يقضونها في النوم كل ليلة إلى أربع أو خمس ساعات، مدّعين بأن تلك الساعات القليلة تكفيهم وبأنهم يحصلون فيها على فوائد النوم المرجوة.
وقسم كبير من هؤلاء الناس ربما اقتدى في هذا ببعض العلماء والمشاهير الذين تبنوا فكرة الاكتفاء بساعات نوم قليلة في الليل، وطبقوها في حياتهم (على حسب قولهم)، بل وأن البعض منهم ربما عزا نجاحه وشهرته إلى تلك الساعات القليلة التي استقطعها من نومه.
وهنا يتساءل البعض هل حقاً النوم 4 ساعات فقط كافية للحصول على كل الفوائد المرجوة من النوم؟ هل يجب علينا كذلك أن نقلل من عدد ساعات نومنا لنستفيد من تلك الساعات أيضاً في الكد والعمل لتحقيق المزيد من النجاح؟ هل النوم لساعات قليلة مضر بالصحة؟ هل هناك من يستطيع الاكتفاء بساعات قليلة من النوم؟
لمعرفة الإجابات تابع القراءة

هل يمكن الاكتفاء بساعات قليلة من النوم كل ليلة؟
لم يقتصر التفكير بهذا السؤال على عامة الناس فقط، وإنما شغل بال العلماء أيضاً، مما دفعهم إلى البحث والدراسة وإجراء التجارب والاختبارات الكثيرة حول هذا الموضوع.
فكان ما توصلوا إليه حتى يومنا هذا هو أن النوم لساعات قليلة غير ممكن بالنسبة لمعظم البشر، أي لا يمكن أن يقتصر الإنسان على النوم 4 أو 5 ساعات فقط كل ليلة ويطمع أن يحصل فيها على كل الفوائد المرجوة من النوم.
بل على العكس من ذلك تماماً، أثبتوا أن النوم لساعات قليلة كل ليلة قد تكون تكلفته باهظة جداً على صحة الإنسان وحياته.
وقد تطرقنا لبعض أضرار قلة النوم على صحة الإنسان وحياته خلال عدة مقالات أخرى، مثل: العلاقة بين قلة النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية، النوم يعزز من صحة الجهاز المناعي، دراسة تشير إلى أن مشاكل النوم قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب
ولكن هل عدم إمكانية النوم لساعات قليلة ينطبق على كل البشر؟
بالطبع لا، لقد استثنى العلماء والباحثون من هذه النتائج فئة نادرة جداً من البشر يحتاجون لعدد ساعات أقل من النوم مقارنة بأقرانهم، دون أن يؤثر نومهم القليل في الليل على صحتهم وحياتهم أثناء النهار ، وقد قاموا بتسميتهم بـ "الأشخاص ذوي النوم القصير".
هذه المجموعة من البشر تنام أقل من 6 ساعات كل ليلة، وتستيقظ في الصباح الباكر وهي بكامل نشاطها وحيويتها، وتكون قادرة على العمل والإنجاز طوال اليوم دون أدنى شعور بالكسل والتعب والنعاس، ودون أن يحتاجوا إلى الالتجاء إلى المشروبات الكافئينية أو أخذ القيلولة أثناء النهار.
بل وأكثر من هذا ربما يكون البعض من هؤلاء أكثر نشاطاً وحيوية حتى من الأشخاص الذين ينامون أكثر من 7 ساعات.
وهذه حالة طبيعية وليست مرضية، ولكنها نادرة جداً بين البشر وفقاً للدراسات والأبحاث، والتي وجدت أيضاً أن هؤلاء الأشخاص لا يعانون من أي تأثيرات سلبية لقلة النوم على وأجسامهم وأدمغتهم مثل تلك التي يعانيها الأشخاص العاديين عند الحرمان من النوم.
ويعتقد العلماء بأن أجسام الأشخاص ذوي النوم القصير قادرة على الاكتفاء بهذه الساعات القليلة من النوم لإعادة شحن نفسها والقيام بكل العمليات المعقدة التي تتم خلال الساعات السبع عند الأشخاص العاديين.
ويعتقد العلماء أيضاً أنّ نوم هؤلاء الأشخاص يتميز بكفاءته وجودته العالية التي تسمح لهم بالاستيقاظ بكامل نشاطهم ويقظتهم رغم نومهم لمدة قصيرة فقط.
فما السبب الذي يجعل بعض الأشخاص قادرين على النوم لساعات قليلة؟
أما بالنسبة للسبب الذي يسمح لهؤلاء الأشخاص بالاكتفاء بالنوم لساعات قليلة (4 ساعات فقط) فلا يزال غير واضح تماماً حتى اليوم، إلا أن العلماء يعتقدون أن الطفرات الجينية تلعب دوراً كبير فيه.
حيث تمكن العلماء من خلال الدراسات والأبحاث والتجارب المخبرية الكثيفة من اكتشاف بعض الطفرات الجينية في الشيفرات الوراثية الخاصة بهؤلاء الأشخاص، والتي لا تكون موجودة في باقي البشر العاديين، مما دفعهم للاعتقاد بأنها قد تلعب دوراً في السماح لهؤلاء الأشخاص بالنوم لساعات قليلة.
ففي العام 2009 تمكن الباحثون من اكتشاف طفرة في الجين الوراثي DEC2 لدي هؤلاء الأشخاص ذوي النوم القصير.
ويعتقد الباحثون أنّ هذه الطفرة تجعلهم يحتاجون لوقت أقل من النوم لاستعادة نشاطهم وحيويتهم بالمقارنة مع من لا يملكونها.
والجين DEC2 مسؤول عن التحكم في مستويات هرمون الأوركسين وهو هرمون له دور هام في الحفاظ على اليقظة والمستويات المنخفضة منه قد تتسبب في حالة مرضية تجعل الإنسان يشعر بنعاس دائم.
وكذلك في العام 2019 اكتشف الباحثون طفرة نادرة أخرى في جين يسمى ADRB1 موجودة لدى أفراد العائلات ذوات النوم القصير، وكانت الخلايا التي تحوي في شفرتها الوراثية على هذه الطفرة تعزز من اليقظة والنشاط وتؤثر على دورات النوم والاستيقاظ.
وبالطبع الطفرات الجينية هي ليست التفسير الوحيد لجميع الحالات التي تتميز بقدرتها على النوم لساعات قليلة، بل قد تكون هناك الكثير من العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في مثل هذه الحالات، ولكن العلم لم يتمكن حتى الآن سوى من اكتشاف جزء يسير مما هو متعلق بهذا الخصوص.
ومما يجدر الإشارة إليه هو أنّ هؤلاء الأشخاص ينامون نفس المدة القصيرة حتى في أيام نهاية الأسبوع وأيام العطل الرسمية، على عكس بعض الأشخاص الذي يدّعون بأنهم من هذه الفئة النادرة ولكنهم يغرقون في النوم لساعات طويلة عندما تُتاح لهم الفرصة في ذلك.
ما هي الطريقة لتجنب قضاء ساعات طويلة في النوم ليلاً؟
وبالطبع كل ما ذكرناه لا يعني أن يقضي الإنسان معظم وقته في النوم، وإنما يجب عليه الحصول على نومٍ كافٍ بالنسبة له، بحيث يجعله قادراً على الاستيقاظ والعمل في النهار دون الشعور بالنعاس المستمر.
ولأجل هذا يجب على الإنسان أولاً معرفة عدد الساعات اللازمة له حسب الفئة العمرية التي ينتمي إليها، ويمكن ذلك من خلال قراء مقال: عدد ساعات النوم التي يجب الحصول عليها كل ليلة حسب الفئة العمرية
وثم يتعرف على الطرق والوسائل التي تحسّن من جودة نومه، وتساعده على الاكتفاء على الأقل بالحد الأدنى أو ما يقرب منه من الساعات الموصى به بالنسبة لفئته العمرية، ويمكن ذلك من خلال قراءة مقال: نصائح وإرشادات لنوم صحي ومريح
بهذا الشكل سيتمكن الإنسان من الحصول على نوم ذو جودة عالية، ينقذه من التعب والنعاس المستمر خلال النهار، مما سيسمح له بالعمل والإنتاج أكثر.
إرسال تعليق