القيلولة عادة منتشرة في معظم المجتمعات، وهي تكون شائعة أكثر في مراحل الطفول، وكذلك في المراحل المتقدمة من العمر ولا سيما بعد التقاعد.
ويلجأ الناس في العادة إلى القيلولة لاستعادة النشاط، وطرد النعاس، وتحفيز القدرات العقلية، وإعادة تنشيط الذاكرة بعد العمل خلال ساعات النهار الأولى.
ولكن يعتقد بعض الناس أن القيلولة قد تكون ضارة بالصحة، وتؤثر سلباً على جودة النوم ومدته ليلاً. بينما يعتقد البعض الآخر أن القيلولة هي عملية صحية ولها العديد من الفوائد. فما هي الحقيقة؟

الحقيقة هي أن القيلولة قد تكون صحية ومفيدة، وقد تكون ضارة، وذلك استناداً لعدة أمور.
فالقيلولة النهارية يمكن أن تكون مفيدة جداً، ومنعشة جداً، ومجددة للنشاط، وصحية دون أن تؤثر سلباً على جودة النوم ليلاً، ولكن بشرط واحد، وهو الالتزام بتوصيات ونصائح خبراء النوم فيما يخص مدة وتوقيت القيلولة الصحية والمثالية.
أما غير ذلك فإن القيلولة قد تكون لها بعض الآثار السلبية، ولا سيما على قدرة الإنسان على النوم ليلاً، مما سيؤثر بالتالي على دورة النوم لديه، ويزيد من أعراض النعاس والتعب لديه خلال النهار.
فالسر إذاً في كون القيلولة صحية أو لا، وفي مدى تأثيرها سلباً على جودة النوم ليلاً يكمن في عاملين أساسيين وهما: مدة القيلولة، وتوقيتها.
فكم دقيقة هي مدة القيلولة المثالية؟ وما هو أفضل وقت لأخذ قيلولة صحية خلال النهار؟
لتعرف الإجابات وتتعلم كيف تحصل على قيلولة صحية تابع القراءة
دورة النوم
لنفهم الأسباب الكامنة وراء تحديد المدة المثالية والتوقيت الأفضل للقيلولة الصحية، علينا أن نتعرف أولاً بشكل سريع على فيزيولوجيا النوم ودورته.
مراحل النوم
تنقسم دورة النوم لدى شخص بالغ سليم إلى مرحلتين أساسيتين، مرحلة نوم حركة العين غير السريعة NREM ومرحلة نوم حركة العين السريعة REM.
ومرحلة نوم حركة العين غير السريعة NREM بدورها تنقسم إلى ثلاثة أطوار، وهي :
الطور الأول يسمى بطور الغفوة، والطور الثاني يسمى بطور النوم الخفيف. في هذين الطورين يبدأ معدل ضربات القلب، ومعدل التنفس، ودرجة حرار جسم الإنسان، ونشاط دماغه بالانخفاض تدريجياً.
ولكن بشكل عام يكون النوم فيها خفيفاً، ويمكن أن يستيقظ الإنسان منها بسهولة نوعاً ما دون أن يعاني بعد الاستيقاظ من مشاكل مثل الدوار أو الإرهاق.
أما الطور الثالث من مرحلة نوم حركة العين غير السريعة فتسمى بطور النوم العميق أو بنوم الموجة البطيئة، وفيه يصبح الجسم أقل استجابة للمؤثرات الخارجية، كما وتصل مستويات نشاط عقل الإنسان ومعدلات ضربات قلبه ومعدل تنفسه، ودرجة حرارة جسمه إلى أدنى مستوياتها خلال دورة النوم كلها.
ويعد إيقاظ الناس خلال هذا الطور أمراً صعباً إلى حدٍ ما مقارنة بالطورين السابقين. وإذا ما استيقظ فيها الإنسان فأنه يعاني من الدوار والارتباك وبعض الإرهاق.
أما المرحلة الثانية والأخيرة في دورة النوم وهي نوم حركة العين السريعة REM، فإنها تتميز بارتفاع نشاط الدماغ، وزيادة حركات العين غير المنتظمة، وازدياد معدل ضربات القلب ومعدل التنفس لتصبح قريبة من مستوياتها في حالة اليقظة.
تعاقب مراحل النوم
عندما ينام الإنسان ليلاً فإنه يصل إلى مرحلة نوم حركة العين السريعة بعد حوالي 90 دقيقة من النوم، يمر فيها بالأطوار الثلاثة من مرحلة نوم حركة العين غير السريعة.
حيث أن الطور الأول يستغرق حوالي 5-10 دقائق، في حين أن الطور الثاني يستغرق ما يقارب من 20 دقيقة في كل دورة نوم.
أما الطور الثالث فهو يستغرق ما بين 45-90 دقيقة في دورة النوم الأولى، لتبدأ مدتها بالتناقص تدريجياً بعد ذلك.
خلال الدورات الأولى من النوم أثناء نصف الليل الأول يكون نوم حركة العين السريعة قصيراً (10-15 دقيقة)، وطور النوم العميق من نوم حركة العين غير السريعة طويلاً.
أما خلال الدورات الأخيرة من النوم في نصف الليل الثاني يصبح نوم حركة العين السريعة هو المسيطر، حيث تزداد مدته تدريجياً طوال الليل، في حين يبدأ طور النوم العميق بالاختفاء بعد عدة دورات.
وللاطلاع على مزيد من التفاصيل المتعلقة بفيزيولوجيا النوم ودورته يمكن قراءة المقال التالي: فيزيولوجيا النوم ومراحله
تولُّد الحاجة للنوم عند الإنسان
تتولد حاجة الإنسان إلى النوم خلال اليوم بناءً على عاملين أثنين، هما: ضغط النوم الاستتبابي، وإيقاع الساعة البيولوجية.
ضغط النوم الاستتبابي ينتج عن تراكم الأدينوزين خارج الخلايا خلال اليوم، ويزداد تراكم الأدينوزين تدريجياً مع زيادة المدة التي يبقى فيها الإنسان مستيقظاً، وهذا يدفع الإنسان إلى النوم.
وبالنسبة لمعظم الناس، فإنه بعد 16 ساعة من اليقظة المستمرة، تبدأ الوظائف العقلية بالانخفاض بشكل ملحوظ ويزداد النعاس. ومع مرور الوقت، يرتفع الضغط الاستتبابي ويصبح البقاء مستيقظاً أكثر صعوبة، وفي النهاية يكاد يكون من المستحيل مقاومة دافع النوم الناتج عن ضغط النوم الاستتبابي.
وضغط النوم الاستتبابي يؤثر بشكل أساسي على جودة النوم وعمقه، والنوم بسبب الدافع الناتج عن ضغط النوم الاستتبابي يكون غنياً بطور النوم العميق من نوم حركة العين غير السريعة.
أما العامل الثاني وهو إيقاع الساعة البيولوجية، فإنه يعمل بنظام 24 ساعة، حيث يولد الحاجة إلى النوم خلال اليل ويحافظ على يقظة الإنسان خلال النهار.
كما أن الساعة البيولوجية تولد نوعاً من الرغبة في النوم وأخذ قيلولة قصيرة خلال وقت الظهيرة ولا سيما بعد الغداء.
فتغيرات إيقاع الساعة البيولوجية لا تكون خطية كما في ضغط النوم الاستتبابي، وإنما تحدث بشكل دوري خلال 24 ساعة. وعلى سبيل المثال إذا حل موعد النوم وفق الساعة البيولوجية ليلاً ولم ينم الإنسان حتى الفجر فإن الساعة البيولوجية تدفعه إلى اليقظة وذلك لأن موعد النوم بالنسبة لها قد فات.
أما ضغط النوم الاستتبابي فإنه سيدفع بالإنسان إلى النوم رغم فوات وقته، وذلك لأنه يتغير بشكل خطي وتراكمي، حتى يودي بالإنسان راقداً على الفراش.
والسؤال هنا: ما علاقة كل هذه الأمور بمدة القيلولة المثالية؟ وكذلك بالتوقيت الأفضل لأخذ قيلولة صحية؟
في الحقيقة أردت أن تفهموا سبب اختيار الخبراء للمدة المثالية للقيلولة، وسبب تحديدهم التوقيت الأفضل لأخذ قيلولة صحية، ولم أشأ أن أضع المعلومات مجردة بين يديكم دون الأسباب.
وفهم هذه الأمور ما كان سيحدث دون الشرح السابق، والآن لننتقل إلى المرحلة التالية، حيث ستتعرفون على الإجابات.
المدة المثالية للقيلولة الصحية
استناداً على ما ذكرناه في قسم دورة النوم ومراحله في الأعلى فإن المدة المثالية للقيلولة الصحية، هي المدة التي تساعد الإنسان على استعادة نشاطه، وإعادة تحفيز قدراته المعرفية، دون أن تُدخله في مرحلة النوم العميق وهو الطور الثالث من مرحلة نوم حركة العين غير السريعة.
وبناءً عليه يعتقد الباحثون أن 10-20 دقيقة هي المدة المثالية للقيلولة الصحية أثناء النهار بالنسبة لمعظم الناس، وذلك لأن الطور الأول غالباً يستغرق حوالي 5-10 دقائق، أما الطور الثاني فيستغرق ما يقارب 20 دقيقة.
ويُنصَح بألا تتجاوز مدة قيلولة الإنسان عن 30 دقيقة، لأنه حينها سيدخل الإنسان في طور النوم العميق، وسيكون استيقاظه منها أصعب بعض الشيء، وحتى ولو استيقظ فإنه سيكون يعاني من بعد الدوار والإرهاق وسيستغرق وقتاً أطول حتى يستجمع طاقته من جديد.
كما يزداد احتمالية تأثير القيلولة الطويلة لمدة تزيد عن 30 دقيقة، على مدة النوم ونوعيته ليلاً، مما قد ينعكس سلباً على دورة نوم الإنسان ونشاطه نهاراً.
عشر دقائق قد تكون كافية
وبناءً على التجارب والأبحاث يُعتقّد أنّ أخذ قيلولة قصيرة لمدة 10 دقائق فقط قد تكون كافية في الغالب لتحصيل الفوائد المرجوة من القيلولة، لأنها تساعد على استعادة النشاط، وتمنع من الدخول في طور النوم العميق أثناء القيلولة.
ففي دراسة تم فيها تقييم أشخاص أخذوا قيلولة نهارية لمدة 5 أو 10 أو 20 أو 30 دقيقة، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين أخذوا قيلولة قصيرة لمدة 10 دقائق فقط، تحسّن نشاطهم بشكل ملحوظ، ولم يعانوا من الدوار أو الإرهاق بعد الاستيقاظ، وكان أداؤهم المعرفي العام بعد القيلولة قوياً.
ووجدوا أن فوائد القيلولة القصيرة هذه بقيت تؤثر عليهم لمدة تصل إلى 155 دقيقة بعد الاستيقاظ.
أما بالنسبة للذين ناموا لمدة 20-30 دقيقة أثناء القيلولة فقد حصلوا على نفس الفوائد الإيجابية من القيلولة ولكن بعد فترة 30 إلى 35 دقيقة من ضعف اليقظة والأداء بعد الاستيقاظ.
ولم يلاحظ الباحثون تحصل الفريق الذي نام لمدة 5 دقائق فقط أثناء القيلولة على أي فوائد ملحوظة، مقارنةً مع مَنْ لم يقل أبداً.
وهكذا نجد أن القيلولة النهارية، لتكون مفيدة للإنسان وخاصة لأولئك الذين يحتاجون إلى بعض الراحة من ضغط العمل الشديد خلال ساعات النهار الأولى، يجب أن تتراوح مدتها ما بين 10-20 دقيقة.
في حين أن القيلولة الطويلة لمدة أكثر من 30 دقيقة قد تكون لها آثار سلبية على قدرة الإنسان على العودة إلى العمل بعد الاستيقاظ وعلى قدرته على النوم ليلاً بشكل جيد.
التوقيت المثالي للقيلولة الصحية
لتحديد أفضل وقت لأخذ قيلولة صحية أثناء النهار، سنستعين بما ذكرناه في قسم توّلد الحاجة إلى النوم عند الإنسان.
حيث أن وقت القيلولة المثالي، هو الوقت الذي يكون متوافقاً مع انخفاض مقدار اليقظة لدى الإنسان وفق إيقاع الساعة البيولوجية عند منتصف النهار، دون أن يتأخر لدرجة يزداد فيها ضغط النوم الاستتبابي أيضاً.
وذلك لأن ازدياد ضغط النوم الاستتبابي سيؤدي إلى زيادة الحاجة إلى النوم العميق لدى الإنسان، وبالتالي أخذ القيلولة في وقت من اليوم يكون فيه ضغط النوم الاستتبابي مرتفعاً بما فيه الكفاية، سيؤثر بشكل سلبي على قدرة الإنسان على النوم ليلاً، وكذلك على قدرته على الاستيقاظ أثناء القيلولة دون أن يعاني من ارتباك ودوار.
وبناءً على هذا يعتقد خبراء النوم أن أفضل توقيت مثالي لأخذ قيلولة صحية هو في وقت مبكر من الظهيرة إلى ما قبل منتصف الظهر، أي إلى ما قبل الساعة الثانية بعد الظهر، وقد تم تأييد هذا بالدراسات والأبحاث.
وذلك لأن أخذ قيلولة بعد الساعة الثانية بعد الظهر ستشتمل على طور النوم العميق من مرحلة نوم حركة العين غير السريعة أيضاً، وذلك نتيجة ارتفاع دافع النوم المتولد عن ضغط النوم الاستتبابي أيضاً.
وهكذا نكون قد عرفنا كيف نجعل من القيلولة أثناء النهار قيلولة صحية ومفيدة، وذلك بتعرفنا على مدة القيلولة المثالية وعلى أفضل وقت مناسب لأخذها.
وبالطبع القيلولة في النهاية خيار شخصي، والدلائل التي أثبتت الفوائد الصحية للقيلولة ليست كافية لدرجة أن يتم النصح بها لجميع الناس.
فإن كنت تفضل أخذ قيلولة عند الظهيرة فلا بأس بذلك بعد أن تلتزم بما ذكرناه في الأعلى، وإن كنت تفضل عدم أخذ قيلولة فحينها لا تشارك على الأقل في نشر الشائعات المتعلقة بالقيلولة بين الناس.
نصيحتين أخيرتين للذين يفضّلون القيلولة
إذا لم تتمكن من أخذ قيلولة رغم حاجتك إليها في وقت الظهيرة، فإن الدراسات أثبتت أن التعرض للضوء الساطع كذلك يمكن أن يوفر دفعة مماثلة من الطاقة لمساعدة الإنسان على إنهاء يومه.
إذا استيقظت من القيلولة وأنت تشعر بنوع من الإرهاق أو الدوار، فيمكنك تناول جرعة معتدله من المشروبات الكافيينية أو رش بعض الماء على وجهك لتستعيد وعيك بشكل أسرع.
مصدر الصورة: Freepik
إرسال تعليق