توصلت دراسة جديدة نُشِرت نتائجها في المجلة البريطانية للطب الرياضي British Journal of Sports Medicine، إلى أن زيادة النشاط البدني وممارسة التمارين الرياضية، إلى جانب تقليل وقت الجلوس والبقاء ساكناً، يمكن أن تساعد على الوقاية من سرطان الثدي وتقليل خطر الإصابة به.(1)

معلومات عامة عن سرطان الثدي
يعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعاً بتسببه بأكثر من 2.2 مليون حالة في عام 2020 وحده، حيث تُصاب امرأة واحدة من بين كل 12 امرأة (تقريباً) بسرطان الثدي في حياتها.
ورغم التقدم الملحوظ والكبير الذي شهدناه في مجال علاج سرطان الثدي في يومنا هذا، فإن سرطان الثدي لا يزال السبب الأول لحالات الوفاة الناجمة عن السرطان لدى النساء.
وهناك العديد من العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، ومنها:
- التقدم في العمر
- السمنة
- تعاطي الكحول المحرمة
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الثدي
- التدخين
- العلاج الهرموني بعد سن اليأس
- وجود سوابق تعرض للأشعة
وهذه الإحصائيات تزيد من أهمية الجهود المبذولة في البحث المستمر عن طرق وأساليب تساعد على الوقاية من سرطان الثدي، وتقليل مخاطر الإصابة به والوفاة بسببه.
دراسة تظهر أن ممارسة التمارين الرياضية وتقليل وقت الجلوس تساعد على الوقاية من سرطان الثدي
وآخر ما أثمرت عنه الجهود المبذولة للكشف عن طرق ووسائل للوقاية من سرطان الثدي، ما أظهرته دراسة جديدة نُشِرت نتائجها في المجلة البريطانية للطب الرياضي (1)، أن زيادة النشاط البدني وكثرة الحركة، إلى جانب تقليل وقت الجلوس، يمكن أن تساعد في تقليل مخاطر الإصابة بسرطان الثدي.
حيث تقدم هذه الدراسة دليلاً جديداً على أن إجراء بعض التغييرات في نمط الحياة يمكن أن يساعد في الوقاية من الإصابة بسرطان الثدي.
وعلى الرغم من أنّ العديد من دراسات الرصد والمتابعة السابقة كانت قد وجدت صلة بين قلة النشاط البدني، وزيادة وقت الجلوس، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، ولكنها لم تكن قد أثبتت أنهما يمكن أن تكون سبباً مباشراً للإصابة به.
أما هذا البحث الذي بين يدينا، فقد سعى لتقييم العلاقة السببية بين قلة الحركة وكثرة الجلوس والإصابة بسرطان الثدي من خلال استخدام تقنية تُعرف بـ Mendelian randomization، والتي تساعد العلماء على استخلاص استنتاجات أكثر دقة وتحديداً من الدراسات القائمة على الملاحظة فقط.
حيث تستخدم تقنية Mendelian randomization، البيانات الجينية التي ثبت ارتباطها بعوامل خطر قابلة للتعديل كبديل لهذه العوامل لفحص تأثيرها السببي على مرض ما.(2)
وفي هذه الحالة، تم تقييم جينات التمرين والحركة (الجينات التي لها دور في تقرير الاستعداد الوراثي للخمول أو النشاط)، لمعرفة تأثير النشاط البدني على مخاطر الإصابة بسرطان الثدي.
وقد لاحظ الباحثون في هذه الدراسة أن تأثير التمارين الرياضية، والنشاط البدني على مخاطر الإصابة بسرطان الثدي قد يكون أقوى مما كان يُعتقد.
حيث أكّدت تقنية Mendelian randomization التي تم اتباعها في هذه الدراسة، إن النتائج المستخلصة من الدراسات القائمة على الملاحظة قوية بما فيه الكفاية، وأن هناك علاقة سببية بين النشاط البدني والحركة وانخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي.
تفاصيل إجراء الدراسة
قان فريق من الباحثين الدوليين من أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، بفحص بيانات عائدة لـ 130957 امرأة، تم الحصول عليها من 76 دراسة مختلفة لاتحاد جميعة سرطان الثدي Breast Cancer Association Consortium.
ومن بين النساء المشاركات كان هناك 69838 امرأة مصابة بسرطان الثدي الغازي، و6667 امرأة مصابة بأورام ثدي موضعية، و54452 امرأة غير مصابة بسرطان الثدي.
وقد استعان الباحثون بأدلة من البنك الحيوي في المملكة المتحدة حول كيفية تأثير بعض الجينات على النشاط البدني للأشخاص المختلفين، واستخدموا تلك البيانات الجينية كبديل للنشاط البدني أو الخمول وعدم الحركة.
ثم قام الباحثون بمقارنة مخاطر الإصابة بسرطان الثدي بين الأشخاص الذين كان لديهم استعداد وراثي لممارسة الرياضة بشكل متكرر ومكثف، والأشخاص الذين كان لديهم استعداد وراثي ليكونوا أكثر خمولاً.
نتائج الدراسة
وجد الباحثون أن المستويات الأعلى من النشاط البدني المتوقع وراثياً ارتبطت بانخفاض مخاطر الإصابة بسرطان الثدي الغازي بنسبة 41%.
كما وجدوا أن الأشخاص الذين كان من المتوقع وراثياً أنهم يمارسون نشاطاً بدنياً قوياً ثلاث أيام أو أكثر في الأسبوع كان لديهم خطر أقل بنسبة 38% للإصابة بسرطان الثدي، مقارنة بأولئك أبلغن أنهن لا يمارسن أي نوع من النشاط البدني القوي.
ولاحظ الباحثون أن كثرة الجلوس قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تصل إلى 104%، خاصة الأنواع الأكثر عدوانية من سرطان الثدي.
نتائج متوافقة مع نتائج دراسات سابققة
وبالطبع هذه ليست الدراسة الأولى التي تكتشف وجود صلة بين النشاط البدني وتقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي، ولكن استخدام تقنية Mendelian randomization عزز من قيمة البحث وقوة نتائجه.
ولكن النتائج التي توصلت إليها الدراسات السابقة، مع نتائج هذه الدراسة، تزيد من قوة الأدلة أكثر وأكثر.
ففي التحليل التلوي الذي تم إجراؤه عام 2019، والذي تم فيه استعراض نتائج 10 دراسات مختلفة، وجد الباحثون أن الناجين من سرطان الثدي الذين مارسوا الرياضية كان لديهم خطر أقل بنسبة 40% للوفاة من سرطان الثدي مقارنةً مع الأشخاص الذين لم يكونوا نشيطين بدنياً.(3)
وقد تم التأكيد على أهمية النشاط البدني وممارسة الرياضية بالنسبة لأنواع أخرى من السرطان أيضاً، فهي مفيدة للوقاية من سرطان القولون، وبطانة الرحم، والكلى، والمثانة، والمريء، والمعدة، كما يمكنها أن تقلل من خطر الوفاة لدى الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بسرطان القولون والمستقيم وسرطان البروستات.(4)
قد ترغب أيضاً بقراءة: استهلاك الفطر قد يساعد على الوقاية من السرطان
السبب في تأثير النشاط البدني على تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي
ليس من الواضح تماماً -حتى الآن- سبب هذا التأثير الإيجابي للنشاط البدني، وممارسة التمارين الرياضية، على تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي.
ولكن يعتقد الباحثون، أن هذا قد يكون بسبب بعض آثار النشاط البدني على الجسم، مثل تقليلها لمستويات الالتهاب (5)، وكذلك تقليلها لمستويات الهرمونات الجنسية الأنثوية، مثل الإستروجين والأندروجين، والتي تم ربطها بارتفاع خطر الإصابة بسرطان الثدي (6).
كما إن الخمول وعدم الحركة وكثرة الجلوس يمكن أن يتسببا مع مرور الوقت بإصابة الإنسان بالسمنة، وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى زيادة مخاطر الإصابة بسرطان الثدي.
ولكن لا تزال هناك الحاجة إلى المزيد من الأبحاث والدراسات لمعرفة السبب الأكيد وراء ذلك.
كيف يمكن الاستفادة من هذه الدراسة في الوقاية من سرطان الثدي
هذه الدراسة تقدم لنا المزيد من الأدلة على أن ممارسة التمارين الرياضية، وزيادة النشاط البدني، وتقليل وقت الجلوس يمكن أن يساعد في الوقاية من سرطان الثدي.
ولهذا السبب يجب الحرص على الالتزام بممارسة التمارين الرياضية بانتظام، حيث توصي جمعية السرطان الأمريكية بالحصول على 150-300 دقيقة من النشاط البدني المعتدل أسبوعياً، أو 75-100 دقيقة من التمارين الرياضية القوية، أو مزيج معادل بينهما، مع ممارسة بعض تمارين المقاومة وبناء العضلات يومين على الأقل في الأسبوع.(7)
كما توصي بالحد والتقليل من السلوك الخامل قدر الإمكان، مثل الجلوس، والاستلقاء، ومشاهدة التلفاز وغيرها من سلوكيات قضاء الوقت على الشاشة.(7)
حيث ارتبط الجلوس لفترات طويلة بالوفاة المبكرة، والإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وبأمراض القلب والأوعية الدموية أيضاً.(8)
كما هناك بعض الأدلة التي تربط الجلوس لفترات طويلة مع ارتفاع مخاطر الإصابة بسرطان القولون، وبطانة الرحم، وسرطان الرئة.(7)
طرق ووسائل أخرى للوقاية من سرطان الثدي
وهناك العديد من العوامل والممارسات الأخرى التي ثبت أهميتها ودورها في الوقاية من سرطان الثدي، ومنها:
- الحذر من السمنة والوزن الزائد، والمحافظة على الوزن الصحي قدر الإمكان ولا سيما بعد انقطاع الطمث. إذ أن السمنة هو عامل خطر رئيسي للإصابة بسرطان الثدي.(9)
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، غني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، كذلك يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي.(10)
- الامتناع عن تعاطي الكحول المحرمة كذلك يعد من الوسائل المهمة في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي، فوفقاً لجمعية السرطان الأمريكية، حتى الكميات الصغيرة من الكحول يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي.(11)
- تجنب التدخين، وتجنب التعرض للتدخين السلبي.(12)
- الحرص على الرضاعة الطبيعية المطولة.(12)
- تفادي استخدام الهرمونات لفترة مطولة.(12)
- تجنب التعرض المفرط للإشعاعات.(12)
كما يُنصح باتباع التوصيات التي تهدف إلى التشخيص المبكر لسرطان الثدي في مراحله الأولى، حيث يكون العلاج أسهل، وهذه التوصيات تختلف من دولة إلى أخرى.
قد ترغبون أيضاً بقراءة: الحمل والرضاعة الطبيعية قد يقللان من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم
الخلاصة
إن ممارسة التمارين الرياضية، وزيادة مستويات النشاط البدني خلال اليوم، وتقليل وقت الجلوس، والوقت الذي يتم قضاؤه أمام الشاشات المختلة يمكن أن تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض والمشاكل الصحية.
وهذا ما أكدته هذه الدراسة، والتي أظهرت أن ممارسة التمارين الرياضية قد تساعد على الوقاية من السرطان، في حين أن كثرة الجلوس قد يساهم في زيادة مخاطر الإصابة به.
إرسال تعليق