لا شكّ أن استهلاك المشروبات الساخنة خلال اليوم يعد أمراً روتينياً لدى معظم البشر، إذ نستمتع من وقت لآخر خلال اليوم بتناول مشروبات ساخنة مثل القهوة والشاي أو غيرها للاسترخاء وتعديل المزاج، وكذلك للمساعدة على هضم الطعام.
بل أن هذه العادة باتت عند البعض منّا إدماناً لا يمكن التخلص منه، أو قضاء يوم بدونه، لتظهر علينا بشكل مفاجئ وسريع آثار وأعراض الأنسحاب من ألم في الرأس وقلق وغير ذلك من الأعراض.
والأمر السيء في هذا الأمر، هو استهلاك البعض لهذه المشروبات بدرجات حرارة عالية جداً، وهو ما يمكن أن يحتوي على تأثير مخفي يهدد الصحة، ويسبب بعض الأمراض الخطيرة.
هنا في هذه المشاركة سنحاول أن نلقي نظرة فاحصة على أهم الآثار السلبية والأضرار المحتملة لشرب المشروبات الساخنة جداً على صحة الإنسان، وأجهزة جسمه المختلفة.
سنستعين في بحثنا هذا بآحدث الدراسات والأبحاث العلمية والطبية المتعلقة بهذا الموضوع، لنتمكن من تقديم إيجابات صحيحة وموثوقة على اسئلتكم التي تشغل بالكم.

فتابع معنا القراءة للاطلاع على المزيد من المعلومات.
الإصابة بحروق في الفم واللسان والحلق والمريء
إن استهلاك المشروبات الساخنة جداً وبشكل متكرر يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بحروق في الفم واللسان والحلق والمريء، حيث أن درجة الحرارة العالية في هذه المشروبات تلحق أضراراً بالأنسجة الحساسة في هذه المناطق، مما يسبب آلاماً وتهيجاً.
كما يمكن أن تسبب هذه الحروق صعوبة في تناول الطعام، وهذا ما يمكن أن يؤثر سلباً على الصحة العامة للإنسان وطاقته خلال اليوم وإنتاجيته في العمل.
بالإضافة إلى هذا تشير الدراسات والأبحاث إلى أن الحروق الموجودة في المريء، يمكن أن تؤدي إلى حدوث التهابات وتبدلات في الخلايا، والتي يمكن أن تتحول في النهاية إلى خلايا سرطانية مسببة سرطان المريء.
المشروبات الساخنة جداً وسرطان المريء
رغم أن العلاقة بين استهلاك المشروبات الساخنة والإصابة بسرطان المريء لم يتم إثباتها بشكل قطعي إلى الآن، إلا أن العديد من الدراسات والأبحاث الطبية توصلت إلى نفس النتيجة والتي مفادها أن استهلاك المشروبات الساخنة جداً يمكن أن تلحقق ضرراً بالأنسجة الحساسة الموجودة في المريء وأن تزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء.
حيث وجدات دراسات أجريت في الصين والهند أن تناول المشروبات الساخنة جداً بصورة يومية وبشكل متكرر جداً ولفترات طويلة (بدرجات حرارة أعلى من 60-70 درجة مئوية) يزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء بصورة ملحوظة.
كما أشارت دراسة نشرت في مجلة Annals Of Internal Medicine إلى أن شرب الشاي الساخن يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء بنسبة تتراوح بين 2-5 أضعاف، وأوضحت الدراسة أن الخطر يزداد بشكل خاص لدى الأشخاص المدخنين أو الذين يستهلكون الكحول.
تأثير تناول المشروبات الساخنة جداً على صحة الأسنان
يمكن أن يؤثر تناول المشروبات الساخنة جداً على صحة الأسنان أيضاً، وذلك بعدة طرق وأشكال مثل:
تآكل طبقة المينا
يمكن ان يؤدي الشرب المتكرر والمستمر للمشروبات الساخنة مثل الشاي والقهوة إلى تآكل طبقة المينا (المادة الصلبة الخارجية التي تغطي الأسنان)، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بتسوس الأسنان.
وهذا ما وجدته دراسة أجريت في البرازيل عام 2018 ونشرت نتائجها في مجلة Journal of Oral Rehabilitation.
بالإضافة إلى درجة الحرارة المرتفعة، فإن بعض هذه المشروبات تحتوي على مكونات حمضية والتعرض المستمر لهذه المكونات الحمضية نفسها يمكن أن يؤدي إلى تآكل طبقة المينا مع الزمن وزيادة خطر التسوس.
حدوث تصبغات وتغيرات في اللون
وجدت دراسة أجراها باحثون هنود في عام 2019 ونشرت نتائجها في مجلة Journal of Clinical and Experimental Dentistry أن تناول المشروبات الساخنة جداً يمكن أن يزيد من خطر حدوث تغيرات في لون الأسنان وظهور تصبغات بنية أو صفراء عليها.
زيادة حساسية الأسنان
تشير الدراسات إلى أن استهلاك المشروبات الساخنة جداً يمكن أن تزيد من حساسية الأسنان أيضاً، ويعتقد أن ذلك يمكن أن يكون بسبب بسبب التوسع والانقباض المفاجئ الذي يحدث في الأسنان عند التعرض بشكل متكرر لدرجات حرارة هذه السوائل المرتفعة، وهو ما يسمى بالتوسع الحراري والانقباض الحراري.
ومعنى ذلك أنه عندما تتعرض الأسنان لدرجات الحرارة المرتفعة المفاجئة النابعة من هذه السوائل الساخنة جداً يحدث توسع للأنسجة والقنوات الدقيقة بداخلها، وعندما يبرد هذا المشروب أو يتم تبريده في الفم بواسطة اللعاب تنكمش هذه الأنسجة والقنوات.
هذه العملية المتكررة من التوسع والانقباض الحراري يمكن أن يؤدي إلى تهيج الأعصاب الموجودة في الأسنان وبالتالي زيادة حساسيتها.
تأثير استهلاك المشروبات الساخنة على الجهاز البولي
يمكن أن يؤثر استهلاك المشروبات الساخنة جداً على صحة الجهاز البولي للإنسان أيضاً، حيث تشير بعض الدراسات والأبحاث إلى أن درجات حرارة المشروبات الساخنة جداً يمكن أن تسبب تهيجاً في المثانة والمسالك البولية.
هذا الأمر يمكن أن يؤدي بدوره إلى ظهور أعراض مزعجة للأنسان، مثل الشعور بحرقة وألم عند التبول.
بالإضافة إلى هذا تشير بعض الدراسات إلى أن استهلاك المشروبات الساخنة يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية، وخطر تكوّن حصوات الكلى.
تأثير تناول المشروبات الساخنة جداً على صحة الجهاز القلبي الوعائي
تشير بعض الدراسات والأبحاث العلمية إلى أن استهلاك المشروبات الساخنة جداً يمكن أن يؤثر أيضاً على الجهاز القلبي الوعائي، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
حيث وجدت دراسة أجريت في الصين، ونُشرت نتائجها عام 2018 في مجلة "European Journal of Preventive Cardiology أن تناول المشروبات الساخنة جداً (بدرجة حرارة أعلى من 60 درجة مئوية) بشكل يومي ومستمر يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
وارتفاع ضغط الدم يعتبر عامل خطر مهم للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
كما وجدت دراسة أخرى أجريت عام 2014 ونشرت نتائجها في مجلة Journal of Epidemiology أن استهلاك المشروبات الساخنة جداً (بدرجة حرارة أعلى من 75 درجة مئوية ) قد يزيد من خطر انسداد الشرايين التاجية، والذي يعدد السبب الرئيسي لنوبات القلب.
ومما تجدر الإشارة إليه أن معظم هذه الدراسات لا تثبت العلاقة السببية القطعية بين المشروبات الساخنة جداً وأمراض القلب والأوعية الدموية، وإنما توضح وجود صلة من نوع فيما بينها.
ويحتاج إثبات ذلك إلى مزيد من البحث والدراسة.
تناول المشروبات الساخنة جداً قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون
رغم عدم وجود أدلة قاطعة على العلاقة السببية بين تناول المشروبات الساخنة جداً وزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون، إلا أن بعض الأبحاث والدراسات وجدت علاقة من نوع ما بينهما.
فقد أشارت دراسة نٌشرت نتائجها عام 2009 في مجلة International Journal of Cancer إلى وجود رابط محتمل بين تناول المشروبات الساخنة جداً وزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون.
حيث وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يتناولون المشروبات الساخنة جداً (بدرجات حرارة أعلى من 65 درجة مئوية) كانت لديهم احتمالية أعلى للإصابة بسرطان القولون.
وهذا ما وجدته بعض الدراسات الأخرى مثل تلك التي نشرت عام 2019 في مجلة Cancer Epidemiology, Biomarkers & Prevention، وكذلك تلك التي نُشرت عام 2018 في مجلة Annals of Oncology.
وفي النهاية
نجد أن استهلاك المشروبات الساخنة جداً يمكن أن يسبب مجموعة من الأضرار الصحية المحتملة، مثل حروق في أنسجة الفم والبلعوم والمريء، إلحاق ضرر بالأسنان وزيادة حساسيتها، وكذلك زيادة مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وغير ذلك.
هذه الأضرار المحتملة حتى وإن لم يتم إثبات العلاقة السببية بينها وبين شرب المشروبات الساخنة جداً، إلا أن النتائج التي توصلت إليها الدراسات والأبحاث كافية لأن تكون سبباً يمنعنا من استهلاك هذه المشروبات بدرجات حرارة مرتفعة جداً.
ولذلك يجب عليك توخي الحذر في هذا الخصوص، وأن تنتظر مدة كافية حتى يبرد المشروب الذي أنت بصدد شربه ويصل لدرجة حرارة مناسبة.
إرسال تعليق